قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } النزول: ذكر اهل التفاسير ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم المدينة فرض عليه صوم يوم عاشوراء وثلاثة ايام في كل شهر ثم نسخ ذلك وفرض صيام شهر رمضان قبل بدر بشهر وايام، وعن ابي ذر الغفاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" نزلت صحف ابراهيم (عليه السلام) في ثلاث ليال مضين من رمضان وتوراة موسى (عليه السلام) في ست وانجيل عيسى (عليه السلام) في ثلاث عشرة وزبور داوود في ثماني عشرة والفرقان في الرابعة والعشرين "
، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه خطب في آخر يوم من شعبان وقال:
" ايها الناس انه قد اطلكم شهر عظيم مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله تعالى صيامه فريضة وقيامه تطوعا فمن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة والمواساة وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن وشهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير ان ينقص من أجره شيئا " قلنا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال: " يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن اشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها ابدا حتى يدخل الجنة وكان كمن اعتق رقبة "
{ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قيل:هو الشيخ الهم، وقيل: هو منسوخ { فمن تطوع خيرا } قيل: تطوع بزيادة الطعام وذلك يكون على وجهين احدهما ان يطعم مسكينا او اكثر والثاني ان يطعم المسكين الواحد اكثر من الكفاية حتى يزيده على نصف صاع، وقيل: صام مع الفدية { وان تصوموا خير لكم } يعني ان الصوم خير من الافطار والفدية { شهر رمضان } سمي رمضان لان رمضان اسم من أسماء الله تعالى كأنه قيل: شهر الله { الذي أنزل فيه القرآن } قيل: ان القرآن انزل كله في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مفرقا، وقيل: ابتداء إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان { هدى للناس } يتضمن بينات من الهدى والفرقان للناس يعني دلالة لهم فيما كلفوه من العلوم { وبينات } فبين انه مع كونه هدى يتضمن { بينات من الهدى والفرقان } فوجب حمله على غير ما تقدم، وقيل: المراد بالهدى الاول الهدى من الضلالة وبالثاني بيان الحلال والحرام عن ابن عباس، ثم وصف القرآن بأنه فرقان يعني يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام، وقيل: ذلك ترغيب في تدبره { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } الالف واللام في الشهر للعهد والمراد به شهر رمضان، وقيل: " من شهد اول الشهر فليصمه جميعه " عن علي (عليه السلام)، ومعنى شهد قيل: شاهد الشهر وهو مكلف فليصمه حتما { ومن كان مريضا او على سفر } بين الترخيص للمريض والمسافر فمن العلماء من قال: الفطر للمسافر عزيمة، ومنهم من قال: رخصة وهو قول الفقهاء، ثم اختلفوا فمنهم من قال: الصوم أفضل وعليه الأكثر، ومنهم من قال: الفطر أفضل { فعدة من أيام أخر } أي فان أفطر فعليه عدة من أيام أخر، واختلفوا هل للعدة وقت ام لا، فقال ابو حنيفة: لا وهو موسع، وقيل: مؤقت بين رمضانين وان فطر لزمته الفدية { يريد الله بكم اليسر } في الرخصة للمريض والمسافر { ولتكبروا الله على ما هداكم } قيل: اراد بالتكبير الفطر ويوم الفطر، وقيل: التعظيم لله والثناء عليه، قوله تعالى: { واذا سألك عبادي عني فإني قريب } الآية، نزلت في رجل من العرب قال: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ام بعيد فنناديه فنزلت: فاني قريب السماع، وقيل: قريب بالعلم والقدرة { فليستجيبوا لي } اذا دعوتهم للايمان والطاعة كما اني اجيبهم اذا دعوني لحوائجهم وليؤمنوا بي اي يصدقوا بجميع ما انزلته { لعلهم يرشدون } والراشد المصيب للخير ومنه رجل رشيد، وقد روي عن ابراهيم بن ادهم انه قيل له: ما لنا [ما بالنا] ندعو اله فلا نجاب؟! قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا به واكلتم نعم الله فلم تشكروه وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ولم تخالفوه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الاموات فلم تعتبروا بهم وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.
[2.187-189]
قوله تعالى: { احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم } كان الرجل اذا امسى حل له الأكل والشرب والجماع الى ان يصلي العشاء الآخرة او يرقد فاذا صلاها ورقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى الليلة الثانية، ثم ان عمر واقع اهله بعد صلاة العشاء الآخرة فندم واخذ يبكي ويلوم نفسه واخبر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام رجال فاعترفوا بمثل ذلك فنزلت الآية، وقيل: نزلت في ابي قيس ضمرة بن انس " اتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: عملت في النخل نهاري فاتيت أهلي ليطعموني فأبطات ونمت وقمت وقد حرم علي الطعام ولهذا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له قبل ان يسأله: " ما لي أراك يا أبا قيس طلحا - وهو المهزول - " فنزل قوله تعالى: { كلوا واشربوا } في قيس { وابتغوا ما كتب الله لكم } ، قيل: ما اباحه لكم، وقيل: اراد به الولد، وقيل: ابتغوا هذا المباح وهو الجماع { حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود } وهو كناية عن بياض اول النهار وسواد اخر الليل وهذا هو الذي يجب ان يراعيه الصائم { ثم أتموا الصيام الى الليل } قالوا: فيه دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى النهي عن صوم الوصال { ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد } نزلت في ناس من الصحابة كانوا يعتكفون في المساجد فاذا عرضت لهم حاجة الى منازلهم خرج الرجل فجامع اهله ثم اغتسل وعاد الى المسجد فنهوا عن ذلك { ولا تأكلوا أموالكم بينكم } أي لا يأكل بعضكم مال بعض { بالباطل } أي من غير الوجه الذي أباحه الله لكم { وتدلوا بها الى الحكام } يعني تلقونها إلى القضاة، قيل: هي الودائع وما لا يقام عليه بينة، وقيل: يقيم شهادة الزور، وقيل: ان يدفع إلى الحاكم الرشوة { لتأكلوا فريقا } أي قطعة حرام { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } روي ان معاذ بن جبل ورجلا من الانصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ألا يكون على حالة واحدة؟ فنزلت: { قل هي مواقيت للناس } وانما يسمى هلال لليلتين، وقيل: لثلاث، وقيل: حتى يحجر اي يستدير، مواقيت: يعني معالم يوقت بها الناس مزارعهم ومتاجرهم وديونهم وصومهم وفطرهم ومعالم للحج يعرفون بها وقته وغير ذلك { واتوا البيوت من ابوابها } قيل: كانت قريش في وقت احرامها لا تدخل بيتا إلا من ظهره ولا تستظل بسقف، والثاني أنهم كانوا اذا خرج الرجل لحاجة فاذا رجع وهي غير معصية نقب في الجدار، وقيل: هم الانصار، وقيل: قريش وكنانة وخزاعة فأنزل الله تعالى { وأتوا البيوت من أبوابها } ، وقيل: هو مثل يعني آتوا الأمور من جهاتها.
[2.190-196]
قوله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله } قيل: هي اول آية نزلت في القتال { ولا تعتدوا } فتبدأوا بالقتال، وقيل: لا تقتلوا النساء والصبيان، وقيل: الآية منسوخة بما في براءة، وقيل: بالآية الثانية وهي قوله تعالى: { واقتلوهم } ، { والفتنة أشد من القتل } قيل: البلاء والمحن التي تنزل بالإنسان أشد عليه من القتل، وقيل: الشرك أعظم من القتل في الحرم { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } الآية تدل على المنع من الابتداء بالقتال في الحرم وانهم اذا بدأوا جاز بعد ذلك، وقيل: الآية منسوخة بقوله تعالى: { وقاتلوهم } وهي غير منسوخة { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } اي شرك { ويكون الدين لله } خالصا ليس للشيطان فيه نصيب { فان انتهوا } من الشرك فلا تعتدوا على المنتهيين { الشهر الحرام بالشهر الحرام } أي هذا الشهر الحرام بذلك الشهر وهتكه بهتكه يعني تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم وهو ذو القعدة قبائلهم المشركون عام الحديبية وهو ذو القعدة { والحرمات قصاص } يعني كل حرمة اي حرمة كانت اقتص منه، وقيل: القتال بالشهر الحرام بالقتال في الشهر الحرام، وقيل: حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة الاحرام قصاص يعني قضاء عما فات واكد ذلك بقوله تعالى: { فمن اعتدى عليكم } الآية { ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة } قيل: بالبخل، وقيل: بارتكاب المعاصي، وقيل: بترك الانفاق في سبيل الله ولهذا عقبه بقوله تعالى: { واحسنوا ان الله يحب المحسنين واتموا الحج والعمرة لله } أتوا بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله تعالى { ولا تحلقوا رؤوسكم } خطاب للمحضرين اي لا تحلقوا حتى تعلموا ان الهدي الذي بعثتموه الى الحرم قد بلغ الى محله أي مكانه الذي نحر فيه { فمن كان منكم مريضا } أي فمن كان به مرض يحوجه الى الحلق { او به اذى من رأسه } وهو القتل أو الجراحة فعليه اذا حلق { فدية من صيام ثلاثة ايام { او صدقة } على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع { او نسك } وهو شاة { فاذا أمنتم } الاحصار يعني فاذا لم تحصروا وكنتم في حال سعة { فمن تمتع } اي استمتع { بالعمرة الى وقت الحج } انتفاعه بالتقرب بها الى الله تعالى { فما استيسر من الهدي } هو هدي المتعة وهو نسك { فمن لم يجد } الهدي فعليه { صيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم } بمعنى اذا قدمتم وفرغتم من اعمال الحج، عند أبي حنيفة وعند الشافعي هو الرجوع الى اهاليهم ذلك اشارة الى التمتع عند أبي حنيفة واصحابه المتعة ولا قران ل { حاضري المسجد الحرام } وعند الشافعي اشارة الى الحكم الذي هو وجوب الهدي والصوم.
[2.197-202]
ناپیژندل شوی مخ