{ ولما جاء موسى لميقاتنا } يعني الموضع الذي وقتنا له { وكلمه ربه } من غير واسطة كما يكلم الملك وتكلمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الاجرام كما خلقه مخطوطا في اللوح، وروي أن موسى (عليه السلام) كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة، وعن ابن عباس: كلمه أربعين يوما أو أربعين ليلة وكتب له الألواح، وقيل: إنما كله في أول الاربعين { قال رب أرني أنظر اليك } يعني اجعلني متمكنا من رؤيتك، فإن قيل: كيف طلب موسى (عليه السلام) ذلك وهو من أعلم الناس بالله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز؟ فقد قيل: أن قومه طلبوا ذلك، وقيل: إنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم فقالوا: لا بد ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأراد أن يسمعوا النص من الله تعالى وهو قوله: { لن تراني } ليتيقنوا وينزاح عنهم ما داخلهم من الشبهة، فلذلك { قال رب أرني أنظر إليك } { فإن استقر مكانه فسوف تراني } تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين تركه دكا { فلما تجلى ربه للجبل } ظهر أمره وقدرته { جعله دكا } قيل: ترابا، وقيل: مستويا من الأرض، وقيل: ساح في الأرض، وقيل: تقطع أربع قطع قطعة ذهبت نحو المشرق وقطعة نحو المغرب وقطعة سقطت في البحر وقطعة طارت رملا { وخر موسى } أي سقط { صعقا } مغشيا عليه استعظاما لما رأى من الآيات الباهرة، وقيل: مبالغة في الزجر واستعظاما لما سألوا موسى، وروي أن الملائكة مرت عليه وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون يابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة قاله جار الله، قوله تعالى: { وكتبنا له في الألواح } قيل: كان كنقش الخاتم عن وهب، وقيل: كتبنا أي فرضنا فيه الفرائض، وروي أن الألواح صحائف فيها التوراة، قيل: كانت عشرة ألواح، وقيل: سبعة، وقيل: لوحين، وقيل: كانت من زمرد جاء بها جبريل، وقيل: من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء، وقيل: أمر الله تعالى موسى يقطعها من صخرة، وقيل: كانت من خشب نزلت من السماء طولها كان عشرة أذرع { وتفصيلا لكل شيء } وقيل: يريد التوراة، وقيل: من كل شيء كان بني اسرائيل محتاجون اليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام، وقيل: أنزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيرا، يقرأ الجزء منها سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى ويوشع وعزير وعيسى، قيل: كتب في الألواح أني أنا الله لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا باسمي كاذبا، ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين { فخذها بقوة } ، قيل: بجد واجتهاد تبليغا وعلما وعملا { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } أي يحملوا على أنفسهم بالأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب كقوله: اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، وقيل: يأخذوا بما هو واجب أو ندب لأنه أحسن من المباح، وقيل: بالناسخ دون المنسوخ، وقيل: تأخذوا بحسنها وكلها حسن { سأوريكم دار الفاسقين } يريد دار فرعون وقومه وهو بمصر كيف دمروا لفسقهم، وقيل: منازل عاد وثمود والقرون التي أهلكهم الله بفسقهم، وقيل: أراد بدار الفاسقين نار جهنم { سأصرف عن آياتي } بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم ولا يتفكرون فيها، وقيل: سأصرف عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى بأن جمع لها السحرة { وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } يعني هؤلاء المتكبرين { وإن يروا سبيل الرشد } طريق الهدى والرشاد { لا يتخذوه سبيلا وإن يروا كل سبيل الغي } يعني الضلال والهلاك { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } بحجتنا { وكانوا عنها غافلين }.
[7.148-153]
قوله تعالى: { واتخذ قوم موسى } يعني السامري ومن أعانه، وقيل: أراد جميعهم لأن منهم من اطاع ومنهم من عبد ومنهم من رضي والقليل منهم أنكر ذلك، فخرج الكلام على الغالب منهم { من بعد } أي من بعد خروج موسى (عليه السلام) إلى الميقات { من حليهم } أي من زينتهم من الذهب والفضة وكانوا استعادوها بنو إسرائيل من القبط ليوم عيد لهم وخرج موسى من مصر ومعهم ذلك الحلي فلما غرق فرعون وقومه اتخذ السامري وقومه منها عجلا { جسدا } وقال: هذا إلهكم وإله موسى، وقيل: كان السامري من أشرافهم، قيل: جسدا لا روح فيه، وقيل: لحما ودما، وقيل: لم يصر لحما ودما كسائر الأجسام والخوار صوت البقر، قال الحسن: أن السامري قبض قبضة من أثر فرس جبريل يوم قطع البحر فقذفها في العجل فكان عجلا { له خوار ألم يروا } يعني الذين عبدوا العجل من دون الله { أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه } أي عبدوه { وكانوا ظالمين ولما سقط في أيديهم } يعني لما اشتد ندمهم وحسرتهم على ذلك والأصل فيه الندم { ورأوا أنهم قد ضلوا } يعني تبينوا أنهم قد ضلوا { قالوا لئن لم يرحمنا } الآية، { ولما رجع موسى } إلى قومه يعني من الميقات الذي وعده الله تعالى وكلمه وأعطاه التوراة { غضبان أسفا } يعني حزينا { قال بئس ما خلفتموني من بعدي } بئس الفعل فعلتم بعد ذهابي يعني فقمتم مقامي وخلفتموني من بعدي وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأتباعه، أو يكون الخطاب لهارون (عليه السلام) والمؤمنين معه، بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى: { أعجلتم أمر ربكم } وعد ربكم الذي وعدني من الأربعين الليلة، وروي أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال لهم: وإلهكم وإله موسى، إن موسى لم يرجع وأنه قد مات، وروي أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها { وألقى الألواح } غضبا على قومه حين عبدوا العجل، وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدة الضجر من استماعه حديث العجل غضبا لله وحمية لدينه، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) شديد الغضب لله، وكان هارون ألين جنابا إلى بني اسرائيل من موسى { وأخذ برأس أخيه } يعني بشعر رأسه { يجره إليه } وذلك لشدة ما ورد عليه من الأمر { قال ابن أم } وكان أخاه من أبيه وأمه { إن القوم استضعفوني } يعني حين عبدوا العجل { وكادوا } أي هموا وقاربوا { فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني } ، الآية، قيل: لا تجمع الغضب بيني وبينهم، وقيل: لا تجعلني في زمرتهم، قوله تعالى: { قال رب اغفر لي ولأخي } ما صنعت الى أخي { وأدخلنا } جميعا أنا وأخي { في رحمتك } الآية { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا } الغضب ما أمروا به من قبل أنفسهم، والذلة خروجهم من ديارهم، وقيل: الغضب من الله تعالى العقوبة، والذلة هو ما أمروا به من قبل نفوسهم، وقيل: هي الجزية، وقيل: هي ما أصاب أولادهم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير { وكذلك نجزي المفترين } الكاذبين، وعن مالك بن انس ما من مبتدع إلا ويجد في رأسه ذلة، ثم قرأ: { إن الذين اتخذوا العجل } الآية.
[7.154-158]
{ ولما سكت عن موسى الغضب } ، قيل: زال غضبه لتوبتهم { أخذ الألواح } التي كان فيها التوراة { وفي نسختها } يعني ما نسخ وكتب فيها عن أبي مسلم، وقيل: في نسختها التي نسخ منها بنو إسرائيل { هدى ورحمة } قال ابن عباس: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب { للذين هم لربهم يرهبون } أي يخشون فيعلمون بها { واختار موسى قومه سبعين رجلا } ، قيل: اختار من اثني عشر سبطا من كل سبط ستة حتى كانوا اثنين وسبعين فقعد كالب ويوشع، وروي أنه لم يصب الا ستين شيخا، فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم، فأصبحوا شيوخا فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم حتى خرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين رجلا من بني إسرائيل فلما دنا موسى من الجبل وقعوا سجدا لله تعالى فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل فأقبلوا اليه فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم فقالوا:
يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
[البقرة: 55] ثم
قال رب أرني أنظر إليك
[الأعراف: 143] يريد أن يسمعوا الرد والإنكار من جهته فأجيب بلن تراني، ثم رجف بهم الجبل فصعقوا، وقيل: ماتوا فعند ذلك { قال } موسى { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي } من قبل الميقات، وقيل: أن يرى ما يرى من تبعه طلب الرؤية، قوله تعالى: { أتهلكنا } يعني جميعا نفسه وإياهم إنما طلب الرؤية زجرا للسفهاء { إن هي إلا فتنتك } يعني محبتك وابتلاؤك حين كلمتني وسمعوا كلامك فاستدلوا به على الرؤية حتى افتتنوا فضلوا { تضل بها من تشاء } يعني تعاقب من تشاء وهم أهل المعصية، وقيل: تضل من تشاء بالترك { وتهدي من تشاء } بألطافك { أنت ولينا } ناصرنا وحافظنا { فاغفر لنا } الآية { واكتب لنا } يعني واثبت لنا { في هذه الدنيا حسنة } يعني عافية وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة { وفي الآخرة } الجنة { إنا هدنا إليك } أي تبنا إليك { قال عذابي أصيب به من أشاء } وهو من استحق العقوبة وقرأ الحسن من أساء الاساءة { ورحمتي وسعت كل شيء } أي نعمتي عمت كل شيء قيل: تعم البر والفاجر في الدنيا والآخرة للبر خاصة { فسأكتبها } أي أوجبها يعني الرحمة { للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } قالت اليهود والنصارى: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فنزعها منهم وجعلها لهذه الأمة، فقال: { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } نزلت في المؤمنين لما نزلت الآية المتقدمة قالت اليهود والنصارى: هذه صفتنا، وقيل: هو من آمن من اليهود مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلف العلماء في معنى الأمي فقال ابن عباس: هو نبيكم كان أميا لا يقرأ ولم يكتب، قال الله تعالى:
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك
ناپیژندل شوی مخ