466

{ وقال الذين كفروا } على سبيل الإنكار والتكذيب للقرآن والرسول على وجه الإعراض والاستهزاء: { لولا } أي: هلا { نزل عليه القرآن جملة واحدة } من عند ربه كالكتب الثلاثة على الأنبياء الماضين؛ يعني: إنهم استدلوا بنزوله منجما على أنه ليس من عند الله؛ إذ من سنته سبحانه إنزال الكتب من عنده سبحانه كالكتب السالفة، قال سبحانه تسلية لحبيبه، وردا للمنكرين: إنما أنزلناه { كذلك } أي: منجما متفرقا { لنثبت } ونشيد { به فؤادك } يا أكمل الرسل، ونمكنك على حفظه نجوما؛ لأن حالك مخالف لحال موسى وداود وعيسى - صلوات الله عليهم - إذ هم من أهل الإملاء والإنشاء والكتب، وأنت أمي؛ ولأن إنزاله عليك بحسب الوقائع والأغراض، والإنزال بحسب الوقائع والأغراض أدخل في التأييد { و } لهذه الحكمة والمصلحة { رتلناه } أي: تلوناه لك وقرأناه عليك { ترتيلا } [الفرقان: 32] شيئا بعد شيء على التراخي والتدريج في عرض عشرين سنة أو ثلاث وعشرين.

{ و } أيضا من جملة حكمة إنزاله منجما: إنه { لا يأتونك بمثل } عجيب غريب يضربون لك جدلا ومكابرة في وقت من الأوقات، وحال من الحالات على تفاوت طبقاتهم { إلا جئناك بالحق } أي: جئناك بالمثل الحق على طريق البرهان تأييدا لك وترويجا لأمرك ودينك أوضح بيانا مما جاءوا به { وأحسن تفسيرا } [الفرقان: 33] وتبيينا.

وكيف يتأتى منهم المعارضة والمجادلة معك يا أكمل الرسل مع تأييدنا إياك في النشأة الأولى والأخرى، وهم في الدنيا مقهورون مغلوبون، وفي الآخرة { الذين يحشرون } ويسحبون { على وجوههم إلى جهنم } البعد والخذلان، وجحيم الطرد والحرمان، وبالجملة: { أولئك } الأشقياء المردودون عن شرف القبول { شر مكانا } ومصيرا { وأضل سبيلا } [الفرقان: 34] وأخطأ طريقا، اهدنا بفضلك سواء سبيلك.

ثم أخذ سبحانه في تعداد المنكرين الخارجين على رسل الله، المكذبين لهم، المسيئين الأدب معهم، وما جرى عليهم بسوء صنيعهم من أنواع العقوبات والنكبات، فقال: { ولقد آتينا موسى الكتاب } أي: التوراة المشتملة على الأحكام؛ ليبين للأنام ما فيها من الأوامر والنواهي المصفية للنفوس المنغمسة بالمعاصي والآثام؛ ليستعدوا لقبول المعارف والحقائق المنتظرة لهم في استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية { وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا } [الفرقان: 35] ظهيرا له يؤازره، ويعاون له في ترويج دينه وتبيين أحكام كتابه.

وبعدما أيدناهما بإنزال التوراة وإظهار المعجزات { فقلنا } لهما: { اذهبآ إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا } الدالة على توحيدنا واستقلالنا بالتصرف في مظاهرنا ومصنوعاتنا إرادة واختيارا؛ يعني: فرعون وهامان ومن معهما من العصاة البغاة، الهالكين في تيه العتو والفساد وادعوهم إلى توحيدنا، وأظهروا الدعوة لهم فذهبا على مقتضى الأمر الوجوبي فدعوا فرعون لقومه إلى ما أمرا، فأبوا عن القبول وكذبوهما، واستهزءوا معهما كبرا وخيلاء، فأخذناهم بتكذيبهم واستنكافهم { فدمرناهم تدميرا } [الفرقان: 36] أي: أهلكناهم إهلاكا كليا إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض.

[25.37-42]

{ و } كذا دمرنا { قوم نوح لما كذبوا الرسل } أي: حين كذبوا نوحا ومن مضى قبلهم من الأنبياء؛ إذ أمرهم نوح بتصديقهم والإيمان بهم فكذبوا بهم تبعا؛ لذلك { أغرقناهم } بالطوفان { وجعلناهم } أي: جعلنا إغراقنا إياهم بالمرة { للناس } المعتبرين من أمثال هذه الوقائع { آية } علامة وعبرة تعتبرون منها وتستوحشون، وتحسنون الأدب مع الله ورسوله خوفا من بطشه وانتقامه { و } كيف لا يخافون من أخذنا وبطشنا؛ إذ { أعتدنا } وهيأنا { للظالمين } الخارجين عن مقتضى حدودنا { عذابا أليما } [الفرقان: 37] مؤلما أشد إيلام، وانتقمنا منهم أصعب انتقام؟!.

{ و } دمرنا أيضا { عادا وثمودا } يعني: قوم هود وصالح على المكذبين بتكذيبهم إياهما، وإنكارهم على ما ظهرا عليه من الدعوة إلى طريق الحق { و } كذا دمرنا { أصحاب الرس } أيضا بتكذيبهم رسولهم.

قيل: كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله سبحانه إليهم شعيبا عليه السلام فكذبوه، وهم يسكنون حينئذ حول الرسل، وهو البئر الغير المطوية فانهارت، فخسفت بهم وبدارهم.

وقيل: الرسل قرية بفلج اليمامة، كان فيها بقايا ثمود، فبعث الله إليهم نبيا فقتلوه فهلكوا.

ناپیژندل شوی مخ