عليك أيها الطالب القاصد لاقتصاد الأحوال واعتدال الأقوال والأفعال أن تستعين بالله ما صدر عنك، وجرى عليك، و تسنده إلى الله سبحانه بلا رؤية الوسائل والبين، وتتخذه وكيلا على مقتضى أمره سبحانه
فاتخذه وكيلا
[المزمل: 9] وتفوض جميع أمورك في جميع شؤونك وأطوارك إليه سبحانه؛ إذ هي له أصالة، وإن صدر عنك صورة؛ إذ لا وجود لك في ذاتك، فيكف ما يترتب عليه من الأفعال والآثار المرتبة عليه، فلك أن تميت نفسك عما حداك إليه أمارة نفسك وشيطان وهمك وخيالك؛ إذ هو مضلك ومغويك يبعدك عما يعينك وينبغي لك، ويغريك إلى ما لا يعينك ويرديك.
فلك أن تميز بين تسويلات الهوى، وأماني النفس المائلة عن المولى وبين آيات الهدى وعلامات التقى الموصلة إلى الدرجة العليا والفوز بشرف اللقيا.
وإن شئت أن تخلص نفسك من جنود الهوى وعساكر الغفلات من الأوهام والخيالات فاعتزل عن أظهر الناس، وأعرض عن ملئهم، واحذر عن مخالطتهم ومصاحبتهم، واتخذ لنفسك خلوة تنجيك عن جميع ما يغويك ويؤذيك؛ إذ المرء إنما يذوق حلاوة الوحدة ولذة التوحيد في العزلة والفرار عن الخلطة، سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه النفاق، وكثر الخلاف والشقاق.
ربنا هب لنا من لدنك جذبة عن لذات الدنيا ومشتهياتها، وأنسا بك تخلصنا عن مؤانسة غيرك، إنك على ما تشاء قدير، وبإنجاح آمال المؤملين جدير.
[22 - سورة الحج]
[22.1-4]
{ يأيها الناس } الناسون للعهود والمواثيق { اتقوا ربكم } الذي رباكم بأنواع الكرامات وجلائل العم، واجتنبوا عما نهاكم عنه من المكاره والمعاصي، ولا تغتروا بإمهاله إياكم في نشأتكم هذه، واحذروا عن بطشه في النشأة الأخرى وقيام الساعة { إن زلزلة الساعة } المعدة لانقهار النظام المشاهد، وانحلال أجزاء العالم المحسوس { شيء عظيم } [الحج: 1] وأمر فظيع هائل فجيع، بحيث تضعفت السماوات من هيبتها، واندكت الأرضون من شدة صولتها.
اذكر أيها الرائي: { يوم ترونها } أي: تلك الزلزلة الشديدة المهيبة بحيث { تذهل } أي: تدهش وتغفل من غاية دهشتها { كل مرضعة } مشفقة متحنننة { عمآ أرضعت } أي: ولدها الرضيع مع كمال محبتها ومودتها { وتضع } عند حدوثها من شدة هولها وفزعها { كل ذات حمل } وحبل { حملها } وجنينها { و } بالجملة { ترى } أيها الرائي { الناس } أي: جميع الأنام عند حدوثها { سكارى } حيارى مدهوشين، زائلين عقولهم من شدة الهول { وما هم بسكارى } حقيقة { ولكن عذاب الله } النازل إياهم في تلك الحالة { شديد } [الحج: 2] مدهش محير لعقولهم وأبصارهم، وجميع قواهم ومشاعرهم.
ناپیژندل شوی مخ