{ لهم فيها } أي: لأهل النار في النار { زفير } تنفيس شديد، وأنين طويل { وهم فيها } من شدة الأهوال والأفزاع { لا يسمعون } [الأنبياء: 100].
ثم لما نزلت هذه الآية اعترض ابن الزبعري بأن عزيرا وعيسى والملائكة من المعبودين، فهم أيضا في النار، مع أنهم من الأنبياء والملك، وهم محفوظون منها على زعمكم.
[21.101-105]
نزل بعده: { إن الذين سبقت لهم } عناية { منا } الخصلة { الحسنى } والمنزلة الأسنى والدرجة العليا، والجنة المأوى { أولئك } السعداء المخصوصون بمزيد لطفنا وجودنا { عنها } أي: عن النار { مبعدون } [الأنبياء: 101] لسبق رحمتنا إياهم وعفونا عنهم.
بحيث: { لا يسمعون } من غاية البعد منها { حسيسها } أي: صوتها على وجه الخفاء كدوي النحل، مع أن أهلها يصرخون فيها، ويفزعون في غاية الشدة، ولا تصل لغاية بعدهم عنها { و } كيف يسمعون حسيس النار { هم } متنعمون مترفهون { في ما اشتهت أنفسهم } من اللذات الروحانية، والمشتهيات النفسانية عناية من الله إياهم { خالدون } [الأنبياء: 102] دائمون مستمرون بلا طريان ضد وعروض منافر.
وكيف يسمعون ويحزنون أولئك الآمنون من حسيس النار مع أنهم من فرط فرحهم وسرورهم { لا يحزنهم الفزع الأكبر } وهو النخفة الأخيرة في الصور، مع أنها في نهاية الهول والفظاعة، وإذا لم يشوشهم تلك الهائلة فكيف بالحسيس { و } بعد دخولهم في الجنة الموعودة { تتلقاهم الملائكة } مرحبين مهنئين قائلين: { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [الأنبياء: 103] في نشأتكم الأولى أيها المؤمنون الآمنون، وأنتم فيها تؤمنون بها، فالآن نلتم بما آمنتم، وفزتهم بما أملتم.
اذكر يا أكمل الرسل: { يوم نطوي } ونلف { السمآء } المبسوطة المنشورة { كطي السجل للكتب } أي: طيا مثل طي الصحيفة الحافظة الحارسة للمكتوب فيها؛ يعني: نلفها لفا بعد نشرها بحيث لا يبقى لها اسم ولا رسم، إذ طي الصحيفة كناية عن نيسان الشيء وإعدامها وعدم التذكر، وبالجملة { كما بدأنآ } وأبدعنا { أول خلق } وإيجاد من العدم بلا سبق مادة ومدة { نعيده } عليه كذلك، بحيث صار كأن لم يكن موجودا أصلا، وكان إعدامه { وعدا } منا لازما { علينآ إنا كنا فاعلين } [الأنبياء: 104] الموعود المعهود ألبتة إنجازا لوعدنا.
{ و } كيف نفنيه ولا نعدمه { لقد كتبنا } وأثبتنا { في الزبور } وفي جميع الكتب المنزلة منا { من بعد الذكر } أي: بعد الحضور والثبوت في حضرة علمنا ولوح قضائنا: { أن الأرض } أي: أرض الجنة المعدة لأهل الولاء والمحبة، ومستقر أرباب العناية؛ إذ لكل نفس من النفوس البشرية أرض معدة من فضاء الجنة، وإنما وصلوا إليها بالإيمان والأعمال الصالحة المقربة إلى الحق، فمتى لم يتصفوا بالإيمان والمعارف والتوحيد لم يصلوا إليها؛ وإذا لم يصلوا إليها بكفرهم وعنادهم وظلمهم { يرثها } من الكفار أماكنهم المعدة لهم فيها { عبادي الصالحون } [الأنبياء:105] المقبولون عندنا، المتصفون بشعائر التوحيد والإيمان، والعارفون بمعالم الدين ومسالك العرفان، المرضيون الراضون بجميع ما جرى عليهم من قضائنا.
[21.106-112]
{ إن في هذا } أي: ما ذكر في القرآن من المواعظ والتذكيرات والرموز والإشارات { لبلاغا } وتبليغا بليغا إلى أقصى مراتب التوحيد { لقوم عابدين } [الأنبياء: 106] عارفين بمسالك اليقين وأماراته.
ناپیژندل شوی مخ