{ قال } له الخضر على سبيل التذكير والتشنيع: { ألم أقل } لك يا موسى من أول الأمر { إنك } باعتيادك بظواهر العلوم { لن تستطيع معي صبرا } [الكهف: 72].
{ قال } موسى معتذرا متذكرا لعهده: { لا تؤاخذني بما نسيت } أي: بنسياني وغفلتي عن وصيتك وعهدي معك { ولا ترهقني } أي: لا تغشني ولا تحجبني { من أمري } الذي بعثني على متابعتك، وهو الاطلاع على سرائر الأمور ومغيباتها { عسرا } [الكهف: 73] أي: لا تحجبني عن مطلوبي بالمؤاخذة على النسيان عسرا يلحجئني إلى ترك متابعتك، فيفوت غرضي ومطلوبي منك.
وبعدما ألح واقترح معتذرا قبل الخضر بالضرورة عذره، ثم لما نزلا من السفينة: { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما } صبيحا صبيا لم يبلغ الحلم يلعب مع الصبيان { فقتله } الخضر فجأة على الفور بلا صدر ذنب منه وجريمة؛ بأن أخذ رأسه وضرب إلى الجدار فجأة على الفور بلا صدور ذنب منه وجريمة؛ بأن أخذ رأسه وضرب إلى الجدار إلى أن مات، فاشتد الأمر على موسى وامتلأ من الغيظ ولم يقدر كظمه، { قال } على سبيل التقريع والتوبيخ: { أقتلت نفسا زكية } معصومة بريئة من جميع الآثام { بغير } إهلاك { نفس } صدر منه قصدا؛ ليكون قتله قصاصا عنه شرعا، مع أنه لا ولاية لك حينئذ على قتله وإن صدر عنه القتل عمدا، والله { لقد جئت } بإتيانك هذا { شيئا نكرا } [الكهف: 74] في غاية النكارة؛ إذ قتل النفس من أعظم الكبائر سيما النفس المعصومة المنزهة عن جميع المعاصي، سيما بلا جرم أصلا.
[18.75-83]
وبعدما سمع الخضر منه إنكاره { قال } له على سبيل التشدد والغلظة: { ألم أقل لك إنك لن تستطيع } وتطيق { معي صبرا } [الكهف: 75] إذ لا مناسبة بين وبينك، ولا موافقة لعلمي مع علمك، فخلني على حالي ولا تشوشني، وانصرف عني وامض حيث شئت، فقد بلغت الطاقة.
ثم لما رأى منه موسى ما رأى من الغيظ والحرارة: { قال } معتذرا مستحييا: لا تحرمني عن صحبتك مما صدر عني من نقض العهد وسوء الأدب، ولا تردني يا سيدي { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصحبني } ولا تجعلني رفيقك وصاحبك؛ لأنك { قد بلغت من لدني } ومن قبلي وأجلي { عذرا } [الكهف: 76] فلا أعتذر لك بعد هذا، بل أفارقك إن وقع مني ما يشوشك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" رحم الله أخي موسى استحى فقال ذلك، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب ".
{ فانطلقا } بعدما تقاولا في أمر العلوم ما تقاولا { حتى إذآ أتيآ أهل قرية } هي أنطاكية أو أيلة { استطعمآ أهلها } من شدة جوعهما واحتياجهما إلى الطعام { فأبوا } وامتنعوا { أن يضيفوهما } يميلوهما إلى نيل الطعام ونوله { فوجدا فيها جدارا يريد } أي: يميل ويشرف { أن ينقض } أي: يسقط وينهدم { فأقامه } الخضر وعدله وسواه بالعمود وأسقطه وأحكم بنيانه جديدا.
ثم لما رأى موسى منه أمرا مستغرببا مستبعدا، وهو أنهما على جناح السفر، لوم يكن لهما شغل وغرض متعلق بتعمير الجدار وإقامته { قال } على سبيل التعرض بأنه فضول: { لو شئت لتخذت عليه أجرا } [الكهف: 77] وأخذت جعلا واكتسبت التقوت والزاد بعدما أبوا عن الضيافة.
ناپیژندل شوی مخ