356

[18.17-20]

{ و } من كمال رفق الله إياهم، ورأفته معهم أيها الرائي { ترى الشمس إذا طلعت } من مشرقها في مدة الصيف حين ازدياد حرارتها { تزاور } أي: تنقلب وتميل { عن كهفهم ذات اليمين } أي: جانب يمين الغار؛ لئلا تؤذيهم بشعاعها وحرارتها { وإذا غربت } أي: زالت ومالت عن الاستواء نحو المغرب { تقرضهم } أي: تقطعهم وتنصرف عنهم { ذات الشمال } أي: جانب يسار الغار؛ لحفظهم عن حرها { وهم في فجوة منه } أي: والحال أنهم في متسع الغر ووسطه لا في زواياه؛ بحيث لو لم يكن رعاية الله وحفظه إياهم، وصرف شعاع الشمس عنهم لكانت منتشعشعة عليهم إلى وقت الغروب { ذلك } أي: نشر الرحمة وتهيئة الرفق والرأفة وصرف أذى الشمس، وكذا جميع المؤذيات عنهم { من آيات الله } الدالة على قبوله سبحانه إياهم ورضاه عنهم كونهم مهتدين إلى توحيده، موفقين من عنده، مبتغين لرضاه، متوكلين عليه في جميع الأمور، راضين بقضائه في كل الأحوال، مخلصين له في جميع الأعمال.

{ من يهد الله } وأراد هدايته في سابق علمه وقضائه، ومضى عليهم حكمه { فهو المهتد } الموفق على الهداية والفوز بالفلاح المقصور عليها، وإن لم يصدر ولم يسبق من الأعمال الصالحة { ومن يضلل } الله وتعلق مشيئته بضلاله في سابق قضائه، فهو الضال المقصور على الضلالة وإن صدرت عنه الأعمال الصالحة، لا يتبدل ضلالها أصلا، وبعدما أراد سبحانه ضلاله { فلن تجد له وليا } يولي أمره بالشفاعة لينقذه من الضلال الفطري ويخرجه عن الوبال الجبلي { مرشدا } [الكهف: 17] يهديه ويرشده إلى طريق الرشاد ومنهج السداد. { و } من كمال لطف الله إياهم ورأفته لو رأيتهم أيها الرائي ي مضاجعهم ومراقدهم { تحسبهم أيقاظا } متيقظين؛ لانفتاح عيونهم، وورودهم أنفاسهم، وعدم نتنهم وانفاسخهم { وهم رقود ونقلبهم } عناية منا إياهم وقت احتياجهم إلى التقلب { ذات اليمين وذات الشمال } كي لا تؤثر الأرض بأضلاعهم وجوانبهم { وكلبهم } هو كلب مروا عليه حين إواائهم إلى الغار معتزلين، فلحقهم فطردوه، فأنطقه الله فقال: أنا أحب أولياء الله وأحباءه دعوني أقتف أثركم فدعوه فتبعهم.

وقيل: كلب راع مضوا عليه فأطعمهم وحكوا عليه حالهم، فتبعهم وتبعه كلبه، وقراءة من قرأ: (وكالبهم) يؤيد هذا.

{ باسط ذراعيه بالوصيد } أي: في الباب أو الغتبة أو الفناء { لو اطلعت عليهم } أيها الرائي ورأيت هيئة رقودهم في ذلك الغار المهيب { لوليت } أي: استدبرت ورجعت قهقرى هربا وهولا { منهم فرارا } أي: من هيبتهم { ولملئت } وأملأ صدرك { منهم رعبا } [الكهف: 18] خوفا من رقودهم منفتحة العيون عظيمة الأجسام في غار مهيب في خلال جبال عوال بعيدة عن العمران.

{ و } كما أقدرناهم وأنمناهم على هذا الوجه العجيب والطرز الغريب { كذلك بعثناهم } وأيقظناهم { ليتسآءلوا } وينقاولوا { بينهم } ويستطلعوا معن مدة رقودهم ولبثهم في الغار؛ ليطلعوا على كمال قدرة الله، ووفور جوده ورحمته عليهم؛ ليزدادوا تعينا واطمئنانا واعتمادا أو وثوقا على كرم الله وفضله ولطفه، وبعدما قاما من هجعتهم { قال قائل منهم كم لبثتم } راقدين في هذا الغار؟ { قالوا } على سبيل الظن والتخمين؛ لأن النائم لا اطلاع له على مدة نومه: { لبثنا يوما } تاما { أو بعض يوم } لأنهم دخلوا على الغار غدوة وانتبهوا في الظهيرة، فظنوا أنهم في يومهم أو الذي بعده.

ثم لما شاهدوا طول أظفارهم وأشعارهم { قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } إذ هو قائم حاضر في كل حال بلا تبدل واختلال، ونحن نائمون لا شعور لنا بمدة رقودنا ولا هم لنا بتعيينها بل أهم أمورنا أن نطعم { فابعثوا أحدكم } إلى المدينة مصحوبا { بورقكم } أي: بعينكم ونقدكم المضروبة المسكوكة.

والورق في اللغة: الفضة، سواء كانت مضروبة أم لا، والمراد هنا المضروبة.

{ هذه } إشارة إلى ما في يد القاتل من النقد { إلى المدينة } وهي: طرسوس التي فروا منها من دقيانوس { فلينظر } الذاهب المرسل، وليتأمل { أيهآ } أي: أي طبيخة طباخ { أزكى } أي: أنظف وأظهر { طعاما فليأتكم برزق منه } حتى نطعم؛ إذ نحن جيعان { وليتلطف } الذاهب مع أهل السوق وليجامل معهم في المعاملة { و } ليخرج منها سريعا حتى { لا يشعرن } أي: الذاهب ولا يطعن { بكم } أي: بحالكم ومكانكم { أحدا } [الكهف: 19] من أهل البلد.

{ إنهم } بعد اطلاعهم وشعورهم بحالكم { إن يظهروا } ويغلبوا { عليكم يرجموكم } أو يقتلوكم بضرب الأحجار { أو يعيدوكم } ويرجعوكم مرتدين { في ملتهم } التي كنتم عليها قبل انكاشفكم بالتوحيد { ولن تفلحوا } أو تفوزوا بالفلاح والصلاح { إذا } أي: حين عودكم وارتدادكم إليها { أبدا } [الكهف: 20] أي: لا يرجى فلا حكم بعد ذلك أصلا.

ناپیژندل شوی مخ