{ ذلك } النكال والعذاب { بأن الله } المرشد لهم إلى التوحيد { نزل الكتاب } أي: القرآن المبين لهم طريقه ملتبسا { بالحق } الصريح الثابت في الواقع { وإن الذين اختلفوا في } حقيقة { الكتاب لفي شقاق } خلاف { بعيد } [البقرة: 176] بمراحل عن الحق.
حققنا بفضلك حقية ما أنزلت علينا من جودك.
[2.177-178]
ثم لما اختلف الناس في أمر القبلة واهتموا بشأنها، بأن حصر البر والخير كل فيها، أشار سبحانه إلى تخطئتهم، ونبه على البر الحقيقي والخير الذاتي بقوله: { ليس البر } أي: الخصلة السنية والأخلاق المرضية مجرد { أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } مثلا، بل اتصاف بالعزائم، والحكمة المترتبة على تشريع القبلة { ولكن البر } الحقيقي { من آمن } صدق منكم { بالله } المنشئ لكم من كتم العدم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا { واليوم الآخر } المعد لجزاء الأعمال { والملائكة } المهيمنين الوالهين في مطالعة جمال الله، المستغفرين لمن آمن وعمل صالحا من عباده { والكتاب } المبين لكم طريق الهداية { والنبيين } المبعوثين إليكم به؛ ليرشدكم إلى مقاصده.
{ و } بعدم ما آمن بما ذكر { آتى المال } المانع من التوجه الحقيقي، وأنفقه { على حبه } سبحانه طالبا لرضاه، وأنقه على المحتاجين أولا هم { ذوي القربى } المنتمين إليه من قبل أبويه { واليتامى } الذين لا متعهد لهم من الوالدين وذوي القربى { والمساكين } الذين أسكنهم الفقر العارض لهم من عدم مساعدة آلات الكسب والحوادث الأخر { وابن السبيل } الغرباء الذين لا يمكنهم التصرف في أموالهم لوقوع البون والمبين { والسآئلين } الذين ألجأهم الاحتياج مطلقا إلى السؤال من أي وجه كان { وفي الرقاب } من الأسرى الموثقين في يد العدو، والمكاتبين الذين لا يقدرون على فك رقابهم من مواليهم وغير ذلك من المضطرين { وأقام الصلاة } أي: دوام الميل والتوجه بجميع الأعضاء والجوارح نحوه تعالى في جميع الأوقات، خصوصاص في الأوقات التي تفرض فيها التوجه { وآتى الزكاة } المفروضة المقدرة في كتاب الله.
{ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } كلهم من خيار الأبرار { و } بشر من بينهم يا أكمل الرسل { الصابرين في البأسآء } أي: الفقر المكسر للظهر { والضرآء } المرض المسقم للجسم { و } خصوصا الغزاة الذين صبروا { حين البأس } من اقتحام العدو بالإنعامات العلية والكرامات السنية { أولئك } الأبار الأحرار الصابرون في البلوى، المرجون لرضا المولى على أنفسهم هم { الذين صدقوا } في أقوالهم وأصلحوا في أفعالهم، وأخلصوا في نياتهم { وأولئك هم المتقون } [البقرة: 177] المحفوظون عن جميع ما ضيق عليهم في أمور الدين، الوصلون إلى مرتبة الحقيق واليقين.
رب اجعلنا منهم بلطفك وكرمك يا أرحم الراحمين.
ثم ناداهم سبحانه إصلاحا لهم فيما يقع بينهم من الوقائع الهائلة، والفتن العظيمة الحادثة من ثوران القوة الغضبية، وطغيان الحمية الجاهلية، المؤدية إلى قتل البعض بعضا ظلما وعدوانا فقال: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم وتوحيدكم المحافظة بزجر النفس الأمارة بالسوء عن مقتضياتها المنشعبة من القوى البشرية، وإن وقع فيكم أحيانا فاعلموا أنه { كتب } فرض { عليكم } في دينكم { القصاص } بالمثل { في القتلى } المقتولين عمدا فيقتل { الحر } القاتل { بالحر } المقتول { و } كذا { العبد } القاتل { بالعبد } المقتول، وبالحر وبالطريق الأولى { و } كذا يقتل { الأنثى } القاتلة حرة كانت أو أمة { بالأنثى } المقتولة أيضا، كذلك لنظيرتها قياسا على الحر ةالعبد، والأمة بالحرة بالطريق الأولى، وكذا بالذكرين مهما وافى قتل الحر، والحرة بالعبد والأمة، فقد خولف فيه، الظاهر أنه لم يقتل.
{ فمن عفي له } أي: للجاني والقاتل من المحقوق والسهام المشتركة بين الغرماء الطالبين منه قصاص أخيه المسلم المقتول بيده ظلما { من أخيه شيء } قليل من الحقوق المذكورة { فاتباع بالمعروف } أي: فالحكم لازم عليكم في دينكم أيها الغرماء متابعة المعروف المستحسن عند الله وعند المؤمنين والرجوع إلى الدية وعدم القصاص { و } عليك أيها الجاني { أدآء } أي: أ داء الدية التي هي فدية حياتك { إليه } أي: إلى و لي المقتول { بإحسان } معتذرا نادما متذللا على وجه الانكسار بلا مطل وكسل { ذلك } أي: سقوط القصاص بعد عفو البعض ولزوم الدية يدله { تخفيف } لكم أيها المؤمنون وإصلاح لحالكم { من } قبل { ربكم } أما التخفيف بالنسبة إلى الغرماء فبتسكين القوة الغضبية، وتليين الحمية العصبية بالمال المسرة لنفوسهم بعد وقوع ما وقع، وأما بالنسبة إلى الجاني فظاهر لإبقاء الحياة بالمال { ورحمة } نازلة لكم من ربكم لتصفية كدورتكم الواقعة بينكم بواسطة القتل { فمن اعتدى } منكم وتجاوز عن الحمم { بعد ذلك } المذكور بأن قتل الغرماء الجاني بعد عفو البعض وأخذ الدية، أو امتنع الجاني عن أداء الدية على الغرماء { فله } أي: لكل من المعتدين { عذاب أليم } [البقرة: 178] يؤاخذون في الدنيا بما صدر عنهم، ويعاقبون عليها في الآخرة.
[2.179-182]
ناپیژندل شوی مخ