339

{ و } عليكم أيها المؤمنون المتدرجون في مسالك التحقيق أن { لا تقربوا الزنى } بترتيب مقدمات تترتب عليها تلك الفعلة القبيحة، فكيف الإتيان بها. العياذ بالله { إنه } إي: الزنا { كان فاحشة } مسقطة للعدالة، مزيلة للمروءة، مبطلة لحكمة التناسل التي هي المعرفة الإلهية؛ إذ ولد الزنا لا يبلغ مرتبة الولاية والعرفان أصلا { وسآء سبيلا } [الإسراء: 32] لقضاء الشهوة المعدة لسر الظهور والإظهار من لدن حكيم عليم.

{ و } عليكم أيضا أيها الموحدون القاصدون إلى معارج التوحيد أن { لا تقتلوا النفس التي حرم الله } قتلها؛ إذ هي بيت الله، وتخريب بيته من أعظم الكبائر { إلا بالحق } أي: إلا برخصة شرعية من قصاص وحد وردة، إلى غير ذلك من الأمور التي عينها الشرع { ومن قتل مظلوما } بلا رخصة شرعية { فقد جعلنا } بمقتضى عدلنا { لوليه } أي: لمن يلي أمر المقتول بعده { سلطانا } سطوة وغلبة على القائتل الظالم مع معاونة الحكام له { فلا يسرف } أي: الولي المنتقم { في القتل } لقصاص المقتول المظلوم بأن يقتل غير القاتل بدله، أو يقتل هو مع غيره، وكيف لا يقتل الظالم بدل المقتول المظلوم { إنه كان } أي: المظلوم { منصورا } [الإسراء: 33] عند الله، وعند جميع الخلائق؟!.

{ و } عليكم أيضا أيها المتوجهون نحو الحق بالعزيمة الصحيحة، والقصد الخالص أن { لا تقربوا مال اليتيم } الذي لا متعهد له من الأبوين { إلا بالتي هي أحسن } بحالهم من ازدياد أموالهم وتنميته، وحفظه وتعميره على وجه العدالة والمروءة { حتى يبلغ } اليتيم { أشده } أي: رشده، وبلغ إلى سن التمييز والتصرف، فلكم أيها المتعهدون المتحفظون لأموال اليتامى ردها إليهم بعد اختيارهم وامتحانهم مرارا، وبالجملة: لكم أيها الموحدون الإيفاء والوفاء بالعهود والمواثيق مطلقا، سواء كانت مما بينكم وبين الله، أو بين المؤمنين من عباده { وأوفوا بالعهد إن العهد } والميثاق { كان مسؤولا } [الإسراء: 34] في النشأة الأخرى، وناقضة مؤاخذا، وموفيه مأجورا.

{ وأوفوا الكيل } أي: عليكم أيفاء الكيل { إذا كلتم } لغيركم { وزنوا } أيضا، إذا زنتم { بالقسطاس } أي: الميزان. وهو لفظ سرياني: { المستقيم } الذي لا ميل له إلى جانب، بل صار كفتاه على السوية بلا ميل { ذلك } أي: إيفاؤكم واستقامتكم في المكيال والميزان { خير } جالب لأنواع الخيرات في الدنيا { وأحسن تأويلا } [الإسراء: 35] أي: عاقبة ومآلا في العقبى.

{ ولا تقف } أي: لا تتبع أيها المؤمن الموقن، الطالب للوصول إلى مرتبة التوحيد { ما ليس لك به علم } أي: ما لم يتعلق علمك به تقليدا أو تخمينا؛ إذ أنت يوم الجزاء مسئول عما رمته بلا علم، وأقدمت عليه بأي عضو وجارحة، وقلته رجما بالغيب { إن السمع } قدمه، لأنه نسبت إليه أكثر المفتريات والكواذب { والبصر } لأن النفس تقع في أكثر الفتن والمهالك برؤية البصر { والفؤاد } الذي هو أصل في إنشاء الكواذب والمزرورات { كل أولئك } أي: كل واحد من القوى الثلاثة { كان } يوم القيامة { عنه مسؤولا } [الإسراء: 36] فتقر أولئك القوى بدما سئل عما صدرت منها من المعاصي، فيفتضح صاحبها على رءوس الأشهاد.

{ ولا تمش } أيها الطالب لعدالة التوحيد والعرفان { في الأرض } التي أعدت للتذلل والانسكار، والتواضع والخشوع { مرحا } ذا كبر وخيلا، فكيف تختال وتتكبر أيها لمهان المخلوق من المهين { إنك لن تخرق الأرض } بشدة قولتك ووطأتك { ولن تبلغ الجبال } باستعلائك واستكبارك { طولا } [الإسراء: 37] أي: مدة متطاولة حتى تستعلي بها على من دونك؟! وبالجملة: لا تتكبر ولا تتجبر أيها العاجز الضعيف مع ضعفك، وقصير عمرك.

{ كل ذلك } من النواهي المذكورة، من

لا تجعل مع الله إلها آخر

[الإسراء: 22] إلى هنا { كان سيئه } أي: ثبت وتحقق كونه سيئة، وإنما { عند ربك } لذلك كان { مكروها } [الإسراء: 38] منهيا عنه، مبغوضا عليه.

[17.39-49]

ناپیژندل شوی مخ