[16.78-85]
{ و } كيف ينتهي قدرته؛ إذ { الله أخرجكم من بطون أمهاتكم } وأنتم خاوون عن العلوم كلها، بحيث { لا تعلمون شيئا } من المعلومات أصلا { وجعل لكم } أسبابا وأدوات تعلمون بها أنواعا من العلوم، هيأ لكم { السمع } لإدراك المسموعات الجزئية { والأبصار } لإدراك المبصرات الجزئية { والأفئدة } لإدراك الكليات والجزئيات، والمناسبات والمباينات الواقعة بين العلوم والإدراكات، كل ذلك بقدرة الله وإرادته، وفضله وجوده { لعلكم تشكرون } [النحل: 78] يعني: رجاء أن تعدوا نعم منعمكم عليكم في شئونكم وتطوراتكم، وتواظبوا على شكرها؛ كي تعرفوا ذاته، وتصلوا إليه.
{ ألم يروا } ولم ينظروا { إلى } جنس { الطير } كيف صارت { مسخرت } مذللات للطيران والسيران بريشت واضحة { في جو السمآء } أي: في الهواء المتباعد عن الأرض { ما يمسكهن } بلا علاقة ودعامة { إلا الله } المتفرد بالقدرة التامة الكاملة على أمثال هذه المقدورات { إن في ذلك } الشئون والتطورات المختلفة، والتسخيرات والتذليلات للطير { لأيت } دلال قاطعات على كما علم الله وقدرته وإرادته { لقوم يؤمنون } [النحل: 79] بتوحيد الله، ويعتقدون اتصافه بجميع أوصاف الكمال.
{ والله جعل لكم } أي: من جملة مقدرواته المتعلقة بأمور معاشكم: إنه جعل لكم { من بيوتكم } التي بنيتم بأيديكم بإقدار الله وتمكينه وتعليمه إياكم { سكنا } أي: مسكنا تسكنون فيها، كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر، والآجر والخشب { وجعل لكم } أيضا { من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها } أي: تحملونها وتنقلونها { يوم ظعنكم } وترحالكم من مكان إلى مكان { و } كذا { يوم إقامتكم } وحضركم { و } جعل لكم أيضا { من أصوافها } هي للضائنة والغنم { وأوبارها } هي للإبل { وأشعارهآ } هي للمعز { أثاثا } أي: ما يلبس ويفرش { و } وصار { متاعا } لكم، تتمتعون بها { إلى حين } [النحل: 80] أي: إلى مدة متطاولة من الزمان.
{ والله جعل لكم } أيضا { مما خلق } من الأبنية والشجر والجبال وغيرها { ظلالا } تتفيئون وتستظلون به من حر الشمس { وجعل لكم } أيضا { من الجبال أكنانا } أي: كونا، تسكنون بها لدفع البرد { وجعل لكم } أيضا { سرابيل } أي: أثوابا وأكسية وأغطية متخذة من الصوف والقطن، والكتان والحرير وغيرها { تقيكم الحر } أي: تحفظكم من شدة الحر { وسرابيل } أي: الدروع والجواشن والسربالاتت { تقيكم بأسكم } عند الحراب والقتال { كذلك } أي: مثل ما ذكر من أنواع النعم { يتم نعمته } الفائضة { عليكم لعلكم تسلمون } [النحل: 81] أي: تناقدون وتطيعون، وسلمون أموركم كلها، وتتخذونه وكيلا.
{ فإن تولوا } وأعرضوا عن حكم الله بعدما تلوت عليهم يا أكمل الرسل ما تلوت من أوامره وأحكامه، ولم يقبلوا مك الحق، لا تبال بهم وبإعراضهم { فإنما عليك البلاغ المبين } [النحل: 82] الموضح، وقد بلغت، وعلينا الحساب والجزاء بالعذاب والعقاب.
وكيف لا يحاسبون ولا يعاقبون أولئك المشركون، إنهم { يعرفون نعمت الله } التي عدها وهيأها لهم { ثم ينكرونها } من خبث بواطنهم بإسنادها إلى شركائهم وشفعائهم { وأكثرهم } أي: عرفائهم وعقلائهم الذين يعرفون النعمة والمنعم، ثم ينكرون إنعامه، وأتباعهم؛ أي: ضعفاؤهم في العقل والتمييز كلهم هم { الكافرون } [النحل: 83] الجاحدون لله وإنعامه، يجازون على مقتضى جحودهم وإنكارهم.
{ و } اذكر يا أكمل الرسل { يوم نبعث من كل أمة شهيدا } وهو نبيهم القائم بأمرهم، المشرف الناظر بحالهم من قبل الحق، يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر، ويوم العرض والجزاء { ثم لا يؤذن للذين كفروا } لا يمهلون للاعتذار، ولا يقبل منهم إن اعتذروا { ولا هم يستعتبون } [النحل: 84] ويسترضون من العتبى، وهي الرضا.
{ وإذا رأى الذين ظلموا } أنفسهم بالعرض على المهالك، بالخروج عن حدود الله الموضوعة فيهم { العذاب } الموعو لهم بألسنة الرسل والكتب { فلا يخفف عنهم } أي: يتيقنوا أو يتحققوا ألا مخلص لهم منه، ولا تخفيف عنهم بشفاعه أحد { ولا هم ينظرون } [النحل: 85] يمهلون؛ ليتداركوا ما فوتوا من الإيمان والأطاعة.
[16.86-91]
ناپیژندل شوی مخ