{ الذين إذآ أصابتهم مصيبة قالوا } بلسان الجمع: { إنا } ظلال { لله } الواحد الأحد المتجلي بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا في النشأة الأولى { وإنآ } بعد رجوعنا في النشأة الأخرى { إليه } لا إلى غيره من الأظلال { راجعون } [البقرة: 156] عائدون صائرون رجوع الظل إلى ذل ظل.
{ أولئك } السعداء المتمكنون في مقر التوحيد المنزهون عن الإطلاق والتقييد { عليهم } لا على غيرهم من أصحاب المراتب { صلوات } ميول وتوجيهات متشبعة من بحر الذات، جارية من جداول الأوصاف والأسماء إلى فضاء الظهرو؛ لإنبات المعارف والحقائق الموصلة إلى النعيم الدائم السرمدي واللذة المستمرة الأبدية، نازلة لهم دائما { من ربهم } الذي أوصلهم إلى مقر عزه { ورحمة } شاملة لهم ولغيرهم من سعتها { وأولئك } الواصلون { هم المهتدون } [البقرة: 157] إلى المبدأ الحقيقي والمنزل الأصلي.
[2.158-162]
ثم لما نبه سبحانه إلى الكعبة الحقيقية بالكعبة الصورية، أراد أن ينبه على علاماتها بعلاماتها: { إن الصفا والمروة } أي: الظاهر والباطن { من شعآئر الله } وعلامات توحيجه { فمن حج } قصد { البيت } الممثل من المنزل الحقيقي والمرجع الأصلي على الوجه المفروض { أو اعتمر } على الوجه المسنون قاصدا فيه التوجه إلى الذات الأحدي، معرضا عن العلائق المانعة منه { فلا جناح } لا تعب ولا ضيق { عليه أن يطوف بهما } أي: يسعى بينهما، معتقدا ارتباطهما إلى أن ينكشف باتحادهما { ومن تطوع } توجه نحوه { خيرا } زائدا على ما أمر وفرض { فإن الله } الميسر له { شاكر } راض بفعله { عليم } [البقرة: 158] بحاله.
ثم قال سبحانه: { إن الذين يكتمون } يسترون { مآ أنزلنا } في التوراة { من البينات } الدالة على ظهور من يغلب عليه توحيد الذات { والهدى } المشير إلى أنه مبعوث إلى كافة البرايا، ناسخ لجميع الأديان؛ إذ به يتم أمر التكميل ولا بعثه بعد ظهوره، بل ختم به صلى الله عليه وسلم أمر الإرسال والإنزال والتديين والتشريع، والحال أن كتمانهم { من بعد ما بيناه } أوضحناه بلا ستره { للناس } الناظرين { في الكتاب } أي: التوراة { أولئك } الكاتمون المفرطون { يلعنهم الله } أي: يطردهم ويبعدهم عن عز حضوره لخروجهم عن اعتدال العبودية بكتمان ما أراد الله ظهوره { ويلعنهم } أيضا { اللاعنون } [البقرة: 159] المتمتعون باعتدال العبودية المستقيمون على ما أمروا بقدر وسعهم.
{ إلا الذين تابوا } رجعوا منهم عن الكتمان، وأظهروا ما ظهر لهم في كتابهم { وأصلحوا } بإظهار ما أفسدوا بالكتمان { وبينوا } ما بينه الله في كتابه من وصف نبيه المبعوث المرسل إلى كافة الأمم { فأولئك } التائبون منهم، المصلحون المبينون ما ظهر لهم في كتابهم { أتوب عليهم } قبل توبتهم واتجاوز عن سيئاتهم { وأنا التواب } الرجاع لهم عما جرى عليهم من العصيان والكفر { الرحيم } [البقرة: 160] لهم بعدما رجعوا إلي مخصلين.
ثم قال: { إن الذين كفروا } بكتمان ما بين الله في كتابه { وماتوا وهم كفار } كاتمون { أولئك } المصرون المعاندون في أمر الكتان بعد الظهور مكابرة، وتنزل { عليهم لعنة الله } طرده وتبعيده دائما مستمرا منحصرا عليهم، غر منفك عنهم على ما يقتضيه حال الجلمة المعبر عنها بخلاف اللعن السابق { و } تنزل عليهم أيضا لعنة { الملائكة } المستغفرين لمن تاب { و } أيضا لعنة { الناس } العارفين لحقوق الله المتحققين بآدابه المعتكفين ببابه { أجمعين } [البقرة: 161] مجتمعين عليها دائما لخروجهم عن ربتة العبودية.
{ خالدين فيها } بحيث { لا يخفف عنهم العذاب } المترتب عليها لحظة ليتنفسوا { ولا هم ينظرون } [البقرة: 162] يمهلون ساعة ليعتذروا.
[2.163-166]
{ وإلهكم } المظهر لكم أيها المؤمنون وإله الكافرين الكاتمين { إله واحد } لا تعدد فيه ولا اثنينية بل { لا إله } أي: لا موجود حقيقي { إلا هو } الموجود الحقيقي الحق؛ إذ لا كثرة في الوجود، بل هو واحد في الذات، فرد في الصفات، ليس كمثله شيء { الرحمن } المبدئ لكم ولهم عامة بإشراق تجلياته ومد أظلاله على العدم في النشأة الأولى { الرحيم } [البقرة: 163] المعيد لكم خاصة إلى مبدئكم الأصلي ومقصدكم الحقيقي في النشأة الأخرى.
ناپیژندل شوی مخ