304

لذلك جرت عادة الله، واستمرت سنته السنية على إرسال الرسل والأنبياء المؤدين بالكتب والصحف؛ لتمكن لهم إرشاد الناقصين المنحطين عن درجة التدبر والتدرب في غوامض طرق العرفان ومغالق مسالك التوحيد، ومع ذلك لا يتيسر لهم إلا البلاغ من التبليغ والتوفيق، إنما هو من عند العزيز العليم.

وأكمل الرسل نبينا صلى الله الله عليه وسلم، وأفضل الكتب القرآن الجامع المنزل عليه، الناسخ لجميع ما نزل قبله من الكتب؛ لذلك قال سبحانه على سبيل العموم: { هذا } [إبراهيم: 52] أي: القرآن { بلاغ للناس } [إبراهيم: 52] أي: كامل من التبليغ والإرشاد لقاطبة الأنام إلى توحيد الملك العلام، فلك أن تتأمل يه وتتذكر به على الوجه المأمور؛ لتتمكن من قعد الصدق عند الملك الغفور.

[15 - سورة الحجر]

[15.1-12]

{ الر } أيها الإنسان الأفضل الأكمل، الأليق لأن يفيض عليه سبحانه لطائف رموزات أسرار الربوبية، ولوائح رقائق سرائر الألوهية اللامعة اللائحة من مقر الرحمة العامة، والكرامة الكاملة الشاملة { تلك } الآيات المذكورة في هذه السورة { آيات الكتاب } أي: بعض آيات الكتاب الجامع الناسخ للكتب السالفة { و } آيات { قرآن } فرقان فارق بين الهداية والضلالة، والرشد والغي { مبين } [الحجر: 1] ظاهر البيان لأولي البصائر المتأملين في حكم إيجاد الموجودات، سيما الإنسان الكامل المميز الممتاز بأنواع الفضائل والكرامات، سيما العقل المفاض له من العقل الكلي ليتوجه به نحو موجدهن ويتدبر به أمر مبدئه ومعاده، ومن لم يصرفه إلى ما خلق لأجله، وجبل لمصلحته فقد كفر وضل ضلالا بعيدا بمراحل عن مرتبة الإنسانية؛ وذلك من غاية اتهمامكم في الغفلة، وعمههم وسركتهم بمزخرفات الدنيا الدنية.

وحين فاقوا عن سكرتهم أحيانا { ربما يود } أي: قلما يحب ويستحسن على وجه التمني { الذين كفروا } أي: ستروا الحق، ولم يصرفوا عقولهم إلى كشفه { لو كانوا مسلمين } [الحجر: 2] مصرفين عقولهم إلى معرفة الله، ومفوضين أمورهم كلها إليه، ومتوكلين على الله في جميع حالاتهم، لكن من شدة طغيانهم، ونهاية غوايتهم وخسرانهم لم يقبلوا دعوتك، ولم يؤمنوا بك وبكتابه يا أكمل الرسل عنادا واستكبارا؛ حتى ينجومن خذلان الدنيا وخسران الآخرة.

{ ذرهم } يا أكمل الرسل وشغلهم في دنياهم { يأكلوا } من مأكولاتها المورثة لأنواع المرض في قلوبهم { ويتمتعوا } بمزخرفاتها الفانية ولذاتها الوهمية { ويلههم الأمل } ويشغلهم عن الاشتغال بالطاعات، ويحرمهم عن اللذات الأخروية مطلقا { فسوف يعلمون } [الحجر: 3] قبح صنيعهم، وسوء فعالهم حين انكشف الأمر وتبلى السرائر، فحينئذ يتنبهون بما فوتوا لأنفسهم من اللذات الروحانية باعراضهم عن الله وكتابه ونبيه.

{ و } من سنتنا القديمة: إنا { مآ أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم } [الحجر : 4] أي: ما أردنا إهلاك قرية من القرى الهالكة إلا وكتبنا أولا في لوحنا المحفوظ، وعلمنا القديم لإهلاكها أجلا معلوما ووقتا معينا.

بحيث { ما تسبق } وما تتقدم { من أمة أجلها } الذي عين لإهلاكها { وما يستأخرون } [الحجر: 5] عنه، بل متى وصلوا إليه هلكوا حتما، بحيث لا يسع له التقديم والتأخير أصلا.

{ و } كيف لا نهلكهم ونعذبهم بأشد العذاب ولا ننتقم عنهم؛ إذ هم { قالوا } حين دعوتك إياهم وإلقائك إليهم شعائر الإيمان والإسلام منادين لك، مستهزئين معك متهكمين: { يأيها } النبي { الذي نزل عليه } من عند ربه { الذكر } أي: الكتاب المبين له أمثال هذه الكلمات التي نسمع منك { إنك } في دعوتك وادعائك النبوة والكتاب { لمجنون } الحجر:6] مخبط مختل العقل، يخبطك الجن، ويعلمك أمثال هذه الكلمات والحكايات، تخليت أنهم ملائكة ينزلون إليك بها، وإن اطلعت على الملائكة وصاحبت معهم، مع أنك بشر مثلنا؟!.

ناپیژندل شوی مخ