{ ثم يأتي من بعد ذلك } أي: بعد انقضاء سني الخصب والرخاء { سبع شداد } ذوي جدب وعناء، لا ينبت فيها الزرع وفي تلك المدة { يأكلن } أي: أهلها جميع { ما قدمتم لهن } وادخرتم لهن في سني الخصب { إلا قليلا مما تحصنون } [يوسف: 48] أي: تحرزونه وتحفظونه للبذر.
{ ثم يأتي من بعد ذلك } أي: بعد انقضاء السبع الشداد { عام } ذو بركة ورخاء { فيه يغاث } ويمطر { الناس } بعدما منعوا القطر مدة مديدة { و } صار الناس من كمال الخصب { فيه يعصرون } [يوسف: 49] الأدم من العنب والخرنوب وأنواع الحبوب.
كل ما جاء به يوسف عليه السلام من التأويل والتدبير مستند إلى الوحي والإلهام والعلم بدقائق المناسبات الواقعة بين ذرائر الأكوان.
[12.50-53]
{ و } لما سمع الشرابي من يوسف ما سمع، تسارع إلى الملك وأخبره ما سمع من التعبير { قال الملك ائتوني به } فأرسل من يحضره { فلما جآءه الرسول } ليخرجه من السجن { قال } يوسف: لا أخرج من السجن ما لم يظهر براءتي وعصمتي وطهار ذيلي وكمال عفتي مما يرمونني ويسجنونني بسببه { ارجع } أيها الرسول { إلى ربك } وسيدك { فاسأله } أن يكشف عن أمره وما جرى علي من ظلم أولئك المفترين، سيما ليسأل: { ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } وما شأنهن معي { إن ربي } الذي رباني بكمال العصمة والعفة { بكيدهن } ومكرهن الذي قصدن معي { عليم } [يوسف: 50] على التفصيل الذي يخفون في نفوسهن، يجازيهن في يوم الجزاء على مقتضى علمه.
ثم لما رجع الرسول إلى الملك وأخبر عن حاله ومقاله، بادر الملك إلى إحضار أولئك النسوان فحضرن { قال } الملك منتقما عنهن، مفتشا عما جرى بينهن وبين يوسف: { ما خطبكن } وشأنكن أيتها الماكرات المحتالات { إذ راودتن } وخادعتن بأنواع الحيلة والخداع { يوسف عن نفسه } وأي شيء ظهر منه من أمارات الفساد وعلامات الفسوق حتى تجترئن بمراودته؟! { قلن } بأجمعهن بعدما سمعن كلام الملك واستفساره على وجه الانتقام: { حاش لله ما علمنا عليه من سوء } أي: فعلة ذميمة وديدنة قبيحة باعثة لنا إلى مراودته، سوى أنا رأيناه على صورة عجيبة وحسن بديع، ملنا إلأيه وأردنا مخالطته فاستعصم من كمال عفته ونجابة طينته، ثم { قالت امرأت العزيز } عند الملك بعدما بدأ ما أخفت وفشا ما سترت، مقرة مقررة لطهارة ذيله: { الآن حصحص } أي: لاح وظهر { الحق } وارتفع عنه الحجب انكشف الأستار { أنا راودته عن نفسه } بعدما شغفني حبه وأزعجني ميله { وإنه } في ذاته وأقواله وأفعاله { لمن الصادقين } [يوسف: 51] المبرين المنزهين عما افترينا عليه ورمينا به.
ثم لما انشكف أمره عند الملك وثبت براءته، أرسل الرسول إليه ثانيا ليخرجه من السجن، قال يوسف على مقتضى الحكمة الصادرة من ألسنة الأنبياء؛ توطينا لنفس ال عزيز تسلية له، ليجزم أنه ما أساء الأدب معه في السر والعلانية { ذلك } الكشف والتفتيش إنما هو { ليعلم } العزيز يقينا { أني لم أخنه بالغيب } حين انغلاق الأبواب السبعة، وأنا مع زوجته فكيف في غيرها { و } ليعلم العزيز أيضا { أن الله } المطبع لجميع ما جرى على عباده { لا يهدي كيد الخائنين } [يوسف : 52] أي: لا يوصل أهل الخيانة إلى ما يقصدون إليه بكيدهم وحيلتهم، بل يفضحونهم بها على رءوس الأشهاد في الأولى والأخرى.
ثم قال: { ومآ أبرىء } وأنزه { نفسي } عن الفرطات والغفلات والخواطر القبيحة والديدنة الشنيعة على مقتضى القوى الشهوية واللذة البهيمية، وكيف ابرئ وأنزه { إن النفس } المركوزة في الجبلة الإنسانية { لأمارة } مائلة بالطبع { بالسوء } والفساد متوجهة نحوه إذا خلى وطبعها { إلا ما رحم ربي } أي: حفظها الله من كمال رحمته وشفقته من طغيانها ووسوسة الشيطان إليها { إن ربي } الذي رباني بالعصمة والعفاف { غفور } لما صدر عني من الخواطر النفسانية { رحيم } [يوسف: 53] يرحمني بفضله ويعصمني بلطفه عما يبعدني من كنفه وجواره.
[12.54-57]
{ و } بعدما فتش الملك عن أحواله وما جرى عليه، ثبت عنده أمانته وديانته ورعاية حقوق سيده ورشده في الأمور، سيما في التعبيرات والتأويلات، وصدقه في جيمع الأقوال الصادرة عنه { قال الملك } متحننا عليه متشوقا للقياه: { ائتوني به } سريعا { أستخلصه } أي: أجعله خالصا { لنفسي } ليكون أنيسي وجليسي ومولي أمري وظهيري في تدابير الأمور، فحضوره عنده وسلم على الملك ترحيبا وتعظيما { فلما كلمه } وأخذه بحمد الملك وثنائه ودعائه على اللغة العبرية، قال الملك: ما هذا اللسان؟
ناپیژندل شوی مخ