ولما اشتراه مالك بن ذعر من إخوته بما اشتراه، ذهب به إلى مصر بضاعة، فلما وصلوا إلى مصر وأراد أن يبيعه، فسلمه إلى النخاص فباعه { وقال الذي اشتراه من مصر } وهو العزيز الذي كان على خزائن ملك مصر، واسمه: قطفير أو أطفير، حين ذهب به إلى بيته { لامرأته } زليخا أو راعيل: { أكرمي مثواه } وأحسني حاله ومعاشه، وتلطفي معه بانواع اللطف، والشفقة، إني أتفرص منه الرشد والنجابة { عسى أن ينفعنآ } بعقله ورشده وكفايته وتدبيره { أو نتخذه ولدا } يستخلف منا؛ لأنه كان عقيما فأراد أن يتبناه { وكذلك } أي: مثل ما عطفنا عليه العزيز بعد قهر إخوته وفرقة أبيه وأخيه وغربته من وطنه، ووحشته في غيابة الجب وذل رقبته { مكنا ليوسف في الأرض } أي: جعلناه متصرفا ذا قدرة واختيار في ارض مصر، ليتصرف فيها بالرشد التام والقدر الكاملة { ولنعلمه } وننبه عليه { من تأويل الأحاديث } الواقعة في عالم الكون والفساد طريق الرشد والعدالة؛ ليصل بها إلى الاعتدال الحقيقي { والله } المدبر لأمور عباده { غالب على أمره } المراد له، المتعلق بمصالح بعض عباده { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسف: 21] غلبته واستقلاله في أمره وتصرفه في ملكه، لذلك اشتغلوا بخلاف مراده والسعي في إبطاله كإخوة يوسف، فلم صلوا إلى ما قصدوا.
{ ولما بلغ } يوسف { أشده } أي: كما عقله وقوته وأوانه ما بين الثلاثين والأربعين { آتيناه } إنجازا لما وعدنا عليه في سابق علمنا وقضائنا { حكما } أي: حكومة بين الناس مقارنة بين العدل والقسط { وعلما } بسرائر الأمور ورقائق المناسبات ومن جملتها تعبير الرؤيا { وكذلك } أي: مثل إيتائنا إياه من الفضائل والفواضل المقدرة له في لوح القضاء { نجزي المحسنين } [يوسف: 22] الذين يحسنون الأدب معنا في جميع حالاتهم اتقاء منا وتوجيها إلينا.
[12.23-25]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل اتقاء يوسف الصديق من الله وقت اشتعال نار الشهوة في عنفوان الشباب، حين { راودته } أي: خادعته وألحت عليه بالوقاع { التي } أي: الأمرأة التي { هو } اي: يوسف { في بيتها } وهي سيدته له حاكمة عليه، وهي زليخا امرأة العزيز واحتالت عليه أن يخرجه { عن } نزاهة { نفسه } ونجابة فطرته، وهي العصمة والعفاف إلى ما تهوى نفسها وهو الوقاع والسفاح { و } بالغتت في ذلك المكر والاحتيال إلى أن { غلقت الأبواب } السبعة يوما عليه وخلت معه في بيته { وقالت } متحننة عليه معرضة نفسها إليه: { هيت لك } أي: بادر يا يوسف إلى التعانق والجمع معي { قال } يوسف على مقتضى نجابة النبوة وطهارة الفطرة بإلهام الله إياه مع سورة شهوته ووفور أمن ميله؛ اتقاء من محارم الله ورعاية لحق من أحسن إليه: { معاذ الله } أي: أعوذ بالله معاذا وألوذ نحوه أن يعصمني عن أمثال هذه الغفلة الذميمة والديدنة القبيحة سيما مع من يربيني { إنه } أي: زوجك سيدي { ربي } يربيني بأنواع اللطف والكرم، سيما { أحسن مثواي } وأوصى لك بإحساني، فكيف أسيء في مقابلة إحسان محسني، ومولي أمري ومولي نعمي { إنه لا يفلح } ويفوز { الظالمون } [يوسف: 23] بالخير والحسنى، لو خرجوا من مقتضى الأمر الإلهي، سيما بالإساءة في معاملة الإحسان.
{ و } بعدما رد يوسف عليها أمرها { لقد همت به } أي: قصدت زليخا وتعلقت به إرادة واختيارا لتصل إلى مرادها منه { وهم } يوسف أيضا { بها } على مقتضى بشريته مع أنه لا إرادة له لمرادها ولا اختيار؛ إذا الكف عن المنهي لا بد وأن يكون عند القدرة عليه وإلا لم يكن ممدوحا ولا مستوجبا للمثوبة والقربة { لولا أن } أي: أنه { رأى برهان ربه } أي: دليله الواضح الدال على قبح الزنا وإساءة المسحن بإقاء الله إياه وإلهامه في قلبه، لهلك بنيران طغيان القوة الشهوية، لكن رآه بإراءة الله إياه، فأبى وامتنع { كذلك } فعلنا معه وألهمنا إليه { لنصرف عنه السوء والفحشآء } في مقابلة الإحسان والفحشاء بدل العصمة والعفاف { إنه } إي: يوسف الصديق { من عبادنا المخلصين } [يوسف: 24] الخالصين عن رين البشرية وشين شهوتها وغضبيتها، المنزهين عن مقتضيات القوى مطلقا.
وبعدما غلب على يوسف الاتقاء عن محارم الله على مقتضى البرهان الذي رأه بإراءة الله إياه، بادر إلى الفرار منها، وقصد أن يخرج وقصدت أيضا أن تمنعه عن الخروج { واستبقا الباب } أي: تسابقا نحوه يسبقها يوسف فأخذت ذيل قيمصه { وقدت قميصه } أي: شقت ذيله { من دبر } لأنها في عقبه، ففتح يوسف الباب، فخرجا متعاقبين مضطرين { وألفيا سيدها } أي: صادفا زوجها { لدى الباب } وعنده { قالت } مسرعة باكية على سبيل الشكاية: { ما جزآء } أي: أي شيء مكافأة { من أراد بأهلك سوءا } أي: قصد الزنا معها مكرها { إلا أن يسجن } أي: غير أن يقيد ويدخل في السجن { أو عذاب أليم } [يوسف: 25] مؤلم أشد من السجن.
وإنما فعلتها وبادرت إلى الشكوى متباكية؛ لتظهر براءتها وعصمتها عند زوجها وتحمل الخطأ على يوسف؛ لتنتقم عنه أو تلينه وتضطره على نجاح مرادها، مع أنها قد شغفها حبا ولم تصبر عنه لحظة.
[12.26-29]
{ قال } يوسف مستحييا من ربه: يا سيدي ما لي في ذلك خطأ { هي } بنفسها { راودتني } أي: خادعتني { عن نفسي } وبعما تعارضا عند السيد { وشهد شاهد } هو صبي في المهد أبهم في الشهادة وأجمل؛ لأنه كان { من أهلهآ } وابن عمها أو ابن خالها فقال الشاهد: { إن كان قميصه } أي: قميص يوسف { قد من قبل } أي: شق من قدامه { فصدقت } زليخا { وهو } أي: يوسف { من الكاذبين } [يوسف: 26] في دعوى البراءة والتنزيه { وإن كان قميصه قد من دبر } أي: خلف { فكذبت } هي في دعوى العصمة والعفة { وهو من الصادقين } [يوسف: 27] فما ادعى من العفة والبراءة.
{ فلما رأى } السيد { قميصه قد من دبر } تفرس إلى برءاته وطهارة ذيله مع أن الشاهد أيضا ليس من أرباب الولاية؛ إذ هو صبي رضيع في المهد لم يتكلم إلا بهذا فكوشف من نجابته وعفته ما كوشف، فتوجه نحو زوجته { قال } مقرعا عليها معرضا: { إنه } أي: ما وقع { من كيدكن } وحيلتكن أيتها المحتالات { إن كيدكن } ومكركن أيتها الماكرات المفسدات { عظيم } [يوسف: 28] من كيد الشيطان ومكره؛ لأن الشيطان يستعين ويستمد منكن وقت اضطراره.
ناپیژندل شوی مخ