{ و } كيف لا ينتقم الله عنهم { لئن سألتهم ليقولن } أي: لئن سألتهم وأخذتهم حين استهزءا بك وبأصحابك وقت مرورهم عليك في غزوة تبوك قائلين: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات، فألهمت به فدعوتهم، وقلت لهم: قلتم كذا كذا؟ فقالوا: لا والله ما كنا في أمرك وأصحابك في شيء، بل { إنما كنا نخوض ونلعب } بالأراجيف مزاحا؛ ليهون السفر علينا { قل } لهم بمقتضى علمك إياهم، بوحي الله وإلهامه توبيخا وتقريعا: { أبالله } المنزه ذاته عن أن يستهزئوا { وآياته } البريئة عن النقض { ورسوله } المطهر عن شوب الكذب { كنتم تستهزءون } [التوبة: 65].
{ لا تعتذروا } بالأعذار الفاسدة، ولا تحلفوا بالحلف الكاذب، إنكم { قد كفرتم } وأظهرتم بإيذاء الرسول والطعن في دينه { بعد إيمانكم } بعدما أظهرتم الإيمان فارتفع الأمان عنكم بفعلكم هذا فلحقتم بالمشركين، فنفعل بكم ما نفعل بهم { إن نعف عن طآئفة منكم } بعدما تابوا عما صدر عنهم، ورجعوا إلى الله نادمين خاشعين عن ظهر القلب { نعذب } بالقتل والأسر، والإجلاء والإذلال { طآئفة } أخرى منكم { بأنهم كانوا مجرمين } [التوبة: 66] مصرين على ما هم عليه من الكفر والنفاق وإيذاء الرسول والتخلف عن أمره بلا توبة وندامة.
[9.67-69]
فعليكم أيها المؤمنون أن تعبذوهم ذكرا أو أنثى؛ إذ { المنافقون } المصرون على النفاق أصالة { والمنافقات } المصرات عليه تبعا { بعضهم } ناشئ { من بعض } يتظاهرون ويتعاونون في نفاقهم { يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف } على عكس المؤمنين { ويقبضون أيديهم } عن الخيرات والمبرات كلها، وما ذلك إلا أنهم { نسوا الله } المظهر الموجد لهم بالإعراض عن حكمه وإيذاء رسوله المبين لأحكامه { فنسيهم } الله أيضا، ولم ينظر إليهم بنظر الرحمة { إن المنافقين } المصرين على النفاق، المتمردين عن الوفاق { هم الفاسقون } [التوبة: 67] المقصورون على الخروج عن مقتضى أمر الله وحكمه.
لذلك { وعد الله } المنتقم القادر على أنواع الانتقام { المنافقين والمنافقات والكفار } المجاهرين بلا تفاوت { نار جهنم } لا نجاة لهم منها أصلا، بل { خالدين فيها } أبدا { هي } أي: النار { حسبهم } ي: محسبهم وقرينهم { و } مع ذلك { لعنهم الله } أي: طردهم وأبعدهم عن سعة رحمته { ولهم } بسبب طرد الله إياهم ولعنه { عذاب } عظيم فوق عذاب جهنم { مقيم } [التوبة: 68] دائم غير منقطع، يتألمون طرد الله إياهم ويتعذبون، ولا عذاب أعظم من حرمان الوصول إلى جنة الحضور.
وأعوذك بك منك، لا ملجأ لنا غيرك.
وبالجملة: مثلكم أيها المتمردون المنهمكون في الكفر والضلال، المصرون على النفاق والعناد ، المعاندون مع الله ورسوله { كالذين } أي: كمثل الكفرة الذين مضوا { من قبلكم } بطرين مفتخرين بما عندمم من حطام الدنيا ومزخرفاتها، بل هم { كانوا أشد منكم قوة } وقدرة { وأكثر } منكم { أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم } أي: نصيبهم وحظهم مما قدر لهم من لذات الدنيا وشهواتها، واستكبروا على من أرسل عليهم لتكميلهم وإرشادهم.
{ فاستمتعتم } أيضا { بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم } أي: أخذتم وشرعتم في الأباطيل وتكذيب الرسول والمعاداة معه، وقصد إيذائه وقتله وقتل من آمن له { كالذي خاضوا } وشرعوا في حق أنبيائهم ورسلهم، انظروا إلى وخامة عاقبتهم، وكيف استؤصلوا فانتظروا لمثله، بل بأشد منها؟! وبالجملمة: { أولئك } البعداء المردودين عن منهج الرشاد والسداد { حبطت } أي: هلكت واضمحلت، وبطلت { أعمالهم } التي عملوها؛ لتفيدهم وتنفعهم { في الدنيا والآخرة } فلم ينفعهم أصلا لا في الأولى ولا في الأخرى؛ لعدم مقارنتها بالإيمان وتصديق الرسول { وأولئك } الضالون عن طريق الحق { هم الخاسرون } [التوبة: 69] المقصورون على الخسران، المقضيون بالحرمان والخذلان.
وبالجملة: مثلكم أيها المنافقون كمثلهم، بل أنتم أسوأ حالا منه؛ إذ نبيكم الذي كذبتم به أعلى رتبة من جميع الأنبياء.
[9.70-71]
ناپیژندل شوی مخ