ثم قال سبحانه: { إن الذين كفروا } ستروا الحق، وأصروا على الباطل عنادا واستبكارا إلى حيث { ينفقون أموالهم } على وجه الصدقة لمتجيشين { ليصدوا } ويمنعوا أهل الحق { عن سبيل الله } إعلاء للباطل على الحق، وترويجا للضلالة على الهداية، وذلك يوم بدر { فسينفقونها } كثيرا أيضا على هذه النية؛ تتميما لغرضهم الفاسد ورأيهم الكاسد، فلا يصلون إلى مبتغاهم أصلا وإن بالغوا في الإنفاق.
{ ثم } بعدما تنبهوا بعدم إفادتها { تكون } وتصير تلك الصدقة والإنفاق { عليهم حسرة } متمكنة راسخة في قلوبهم، مورثة لحزن طويل؛ لتضييع المال بلا ترتيب فائدة تبغونها { ثم يغلبون } وهذا أعظم { و } بالجلمة: { الذين كفروا } بالله، وأعرضوا عن دينه ونبيه وكتابه { إلى جهنم } البعد والخذلان، وسعير الطرد والحرمان { يحشرون } [الأنفال: 36] يساقون سوق البهائم والمسخ.
وإنما يفعل بهم سبحانه هذا { ليميز الله } الناقد البصير لأعمال عباده { الخبيث } المنغمس في الكفر والضلال { من الطيب } الصافي عن شوب الكدر مطلقا { و } بعد فصله وتمييزه { يجعل الخبيث } جملة واحدة، بأن يضم { بعضه على بعض فيركمه } ويجمعه { جميعا فيجعله } ويطرحه بعد جمعه وتركيمه { في جهنم } الإمكان وجحيم الخذلان، وبالجملة: { أولئك } البعداء المنعمسون في خباثة الكفر والطغيان { هم الخاسرون } [الأنفال: 37] المقصورون على الخسران الأبدي، والمجبولون على الحرمان السرمدي، ليس لهم نصيب من مستلذات الجنان، وحظ من لقاء الرحيم الرحمن الكريم المنان.
[8.38-40]
{ قل } يا أكمل الرسل { للذين كفروا } تبشيرا لهم ووعدا: لا ييأس من روح الله وسعة جوده ورحمته عما هم عليه من الكفر والضلال، بل { إن ينتهوا } ويعرضوا عن الكفر والإلحاد نحو الباطل الزائغ، والميل إلى البدع والأهواء الفاسدة الكاسدة من تكذيب الكتب والرسل بالإيمان الخالص عن ظهر القلب، ورفع المنازعة والمخاصمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تابعه { يغفر لهم } ويعفى عنهم { ما قد سلف } من الجرائم مطلقا { وإن يعودوا } على كفرهم ونزاعهم، ويرتدوا بعد إيمانهم وصلحهم { فقد مضت سنت الأولين } [الأنفال: 38] أي: الأمم الهالكة الذين كفروا بالله، وخرجوا على رسله فأصابهم ما أصابهم، وكذلك يصيبهم مثل ما أصابهم فليتوقعوا.
{ و } بعدما خرجوا من عهدهم ونقضوا ميثاقهم، واتردوا على أدبارهم { قاتلوهم } أيها المؤمنون؛ أي: المرتدين، واستأصلوهم { حتى لا تكون } أي: توحد وتبقى { فتنة } بقية من شركهم مضلة لضعفاء الأنام { و } بعد استئصالهم وانقطاع شركهم وعرقهم { يكون الدين كله لله } الواحد الأحد الذي لا شريك له { فإن انتهوا } بالقتال عن شركهم وكفرهم، وأقروا بالإيمان والإطاعة فخلواسبيلهم { فإن الله } المطلع بضمائرهم { بما يعملون } في بواطنهم من الوفاق والنفاق { بصير } [الأنفال: 39] يجازيهم على مقتضى بصارته وخبرتهز
{ وإن تولوا فاعلموا } أي: لم ينتهوا بالقتال عن كفرهم، بل أصروا عليه وأخذوا أولياء من إخوانهم وشياطينهم، واستعانوا منهم بمقاتلتكم أيها المؤمنون لا تبالوا بهم وبمعاونيهم ومظاهريهم { أن الله } القادر المتقدر على وجوه الانتقام { مولاكم } معينكم ومولي أموركم { نعم المولى } مولاكم { ونعم النصير } [الأنفال: 40] نصيركم وظهيركم.
[8.41-42]
{ و } بعدما انتصرتم وظفرتم عليهم { اعلموا أنما غنمتم } منهم وأخذتم { من شيء } أي: مما يطلق عليه اسم الشيء حتى الخيط { فأن لله خمسه } أي: فاعلموا أن خمسه ثابت لله { و } يصرف من مال الله خمسه { للرسول } المستخلف منه، النائب عنه { و } بعد انقراضه يصرف إلى الولاة المقيمين لحدود الله، وسهم آخر منه { لذي القربى } المنتمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وعبد المطلب.
{ و } آخر حق { اليتامى } الذي لا مال له ولا متعهد { و } آخر حق { المساكين } الذين أسكنهم الفقر والفاقة في زاوية الهوان والمذلة { و } آخر حق { ابن السبيل } المنقطعين عن الأوطان لمصلحة شرعية، فعليكم أيها الحكام أن تحافظوا على هذه القسمة ولا تتجاوزوا عنها { إن كنتم آمنتم بالله } المستوي على العدل القويم.
ناپیژندل شوی مخ