[7.94-98]
ثم لما ذكر سبحانه من أحوال الأمم الماضية الهالكة وقبح صنيعهم مع الله وتكذيبهم كتبه ورسله، سجل عليهم بأن ما لحقهم إنما هو من يسوء صنيعهم وشؤم نفوسهم، فقال: { ومآ أرسلنا في قرية } من القرى الهالكة { من نبي } من الأنبياء { إلا أخذنا } أولا { أهلها بالبأسآء والضرآء } إزالة لقساوتهم وتليينا لقلوبهم { لعلهم يضرعون } [الأعراف: 94] رجاء أن يتضرعوا إلينا ويتوجهوا نحونا.
{ ثم } بعدما ضيقنا عليهم كشفنا عنهم بأن { بدلنا مكان السيئة } المضرة المؤلمة { الحسنة } النافعة المسرة { حتى عفوا } إلى أن كثروا وتكاثروا عدادا وعددا { وقالوا } بعدما صاروا مترفهين في سعة ورخاء مكان شكر وإظهار المنة منا: { قد مس } ولحق { آباءنا } كما لحقنا { الضرآء والسرآء } ومن عادة الزمان وديدنة الدهر تعاقب السراء بالضراء والجدب بالرخاء، ومتى ظهر منهم كفكران النعم وعدم الرجوع إلينا بالشكر { فأخذناهم بغتة } فجأة بلا سبق مقدمة وتقديم أمارة { وهم } حينئذ من غاية عمههم وسكرتهم { لا يشعرون } [الأعراف: 95] نزول العذاب والنكال.
{ ولو أن أهل القرى } الهالكة العاصية { ءامنوا } بالله وبأنبيائه المبعوثين إليهم { واتقوا } عن محارم الله بمقتضى أوامره التي جاءت الأنبياء به { لفتحنا } ووسعنا { عليهم بركت } نازلة { من السمآء و } نابتة من { الأرض ولكن } ومن خبث طينتهم ورداءة فطرتهم { كذبوا } بالله وبأنبيائه وكتبه { فأخذنهم } بعدما أظهروا التكذيب والإنكار { بما كانوا يكسبون } [الأعراف: 96] بأيديهم لأنفسهم، وبالجملة: ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمونز
{ أفأمن أهل القرى } من انتقامنا وبطشنا إياهم ولم يخافوا { أن يأتيهم بأسنا } عذابنا وعقابنا { بيتا } في أثناء الليل ويحيط بهم { وهم نآئمون } [الأعراف: 97] في مضاجعهم.
{ أو أمن أهل القرى } ولم يترقبوا { أن يأتيهم بأسنا ضحى } في كمال إضاءة اليوم { وهم يلعبون } [الأعراف: 98] بأمور دنياهم على مقتضى مخايلهم ومناهم.
[7.99-102]
وبالجملة: { أفأمنوا } أولئك المنهمكمون في الغفلة { مكر الله } المراقب لجميع أحوالهم، ولم يخافوا ولم يحزنوا من أخذه وانتقامه، ولم يتفطنوا أن من أمن عن مكره وأخذه فقد خسر خسرانا مبينا { فلا يأمن مكر الله } المنتقم المقتدر { إلا القوم الخاسرون } [الأعراف: 99] المقصرون على الخسران الأبدي والشقاق السرمدي في أصل فطرتهم وقابلياتهم.
{ أولم يهد } أي: ألم يذكروا ولم يبين الغيور أحوال الأمم الهالكة، وأخذنا إياهم بما صدر عنهم من تكذيب الأنبياء؟ وما جاءوا به من عندنا من الأوامر والنواهي { للذين يرثون الأرض } خلفا { من بعد أهلهآ } الهالكين بالجرائم المذكورة { أن لو نشآء } بمقتضى قهرنا وجلالنا { أصبناهم } أي: الخلفاء أيضا { بذنوبهم } التي صدرت عنهم مثل أسلافهم، بل بأضعاهم وآلافهم { و } من علامات أخذنا وانتقامنا عنهم: أنا { نطبع } ونختم { على قلوبهم } كيلا يفهموا؛ ليعتبروا { فهم لا يسمعون } [الأعراف: 100] بسبب ذلك حتى يتعظوا به.
وبالجملة: { تلك القرى } الهالكة التي { نقص عليك } يا أكمل الرسل في كتابنا هذا { من } بعض { أنبآئها } قصصها وأخبارها وجرائمها مع الله ورسله { و } الله { لقد جآءتهم رسلهم بالبينت } الواضحة والمعجزات القاطعة الساطعة، وهم من خبث طينتهم وشدة شكيمتهمه وضغينتهم { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } أي: قبل إرسال الرسل عليهم، بل أصروا على ما هم عليه ولم يؤمنوا أصلا، ولم يقبلوا من الرسل جميع ما جاءوا به { كذلك يطبع الله } ويختم سبحانه بمقتضى قهره { على قلوب } جميع { الكفرين } [الأعراف: 101] فلا تعجبل يا أكمل الرسل حال أهل مكة وإصرارهم ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق من مكائدهم؛ إذ هي من الديدنة القديمة والخصلة الذميمة المستمرة بين الكفرة.
ناپیژندل شوی مخ