275

تفسير البغوي

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

ایډیټر

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

خپرندوی

دار طيبة للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الرابعة

د چاپ کال

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

بِلَا أَلِفٍ لِأَنَّ الْغِشْيَانَ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الرَّجُلِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ" (٤٧-آلِ عِمْرَانَ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أَيْ تُوجِبُوا لَهُنَّ صَدَاقًا فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْوَجْهُ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْمُطَلِّقِ قِيلَ: الطَّلَاقُ قَطْعُ سَبَبِ الْوَصْلَةِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ "أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ" (١) .
فَنَفَى الْجُنَاحَ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ أَرْوَحَ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ، وَقِيلَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَطْلِيقِهِنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتُمْ حَائِضًا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أَيْ أَعْطُوهُنَّ مِنْ مَالِكُمْ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ ﴿عَلَى الْمُوسِعِ﴾ أَيْ عَلَى الْغَنِيِّ ﴿قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ﴾ أَيِ الْفَقِيرِ ﴿قَدَرُهُ﴾ أَيْ إِمْكَانُهُ وَطَاقَتُهُ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ قَدَرُهُ بِفَتْحِ الدَّالِّ فِيهِمَا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهِمَا وَهُمَا لُغَتَانِ وَقِيلَ: الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الِاسْمُ، مَتَاعًا: نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ مَتِّعُوهُنَّ ﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ وَبَيَانُ حُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ" (٢٤١-الْبَقَرَةِ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا الْمَهْرَ بِمُقَابَلَةِ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبِضْعِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى وَحْشَةِ الْفِرَاقِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا مُتْعَةَ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا الَّتِي فُرِضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا زَوْجُهَا فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مُتْعَتَانِ يَقْضِي بِإِحْدَاهُمَا السُّلْطَانُ وَلَا يَقْضِي بِالْأُخْرَى بَلْ تَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

(١) سبق تخريجه، عند قوله تعالى "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله".

1 / 284