239

تفسير البغوي

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

پوهندوی

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

خپرندوی

دار طيبة للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الرابعة

د چاپ کال

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَقَاتَلْتُمْ فِيهِ! وَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَمْ فِي جُمَادَى؟ وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمْسَ، فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ، وَكَانَ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسِيرَيْهِمْ فَقَالَ "بَلْ نَقِفُهُمْ حَتَّى يَقْدَمَ سَعْدٌ وَعُقْبَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا" فَلَمَّا قَدِمَا فَادَاهُمَا، فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا وَأَمَّا نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا فَقَتَلَهُ اللَّهُ، فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خُذُوهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ، فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ (١) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ يَعْنِي رَجَبًا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ. ﴿قِتَالٍ فِيهِ﴾ أَيْ عَنْ قِتَالٍ فِيهِ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ عَظِيمٌ، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ فَصَدُّكُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ ﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ أَيْ كُفْرُكُمْ بِاللَّهِ ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أَيِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقِيلَ وَصَدُّكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ﴾ أَيْ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ ﴿مِنْهُ أَكْبَرُ﴾ وَأَعْظَمُ وِزْرًا ﴿عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ﴾ أَيِ الشِّرْكُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴿أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أَيْ مِنْ قَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ إِلَى مُؤْمِنِي مَكَّةَ إِذَا عَيَّرَكُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَعَيِّرُوهُمْ أَنْتُمْ بِالْكُفْرِ وَإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ وَمَنْعِهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَا يَزَالُونَ﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا مَصْدَرَ لَهُ مِثْلُ عَسَى ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿حَتَّى يَرُدُّوكُمْ﴾ يَصْرِفُوكُمْ ﴿عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ﴾ جَزْمٌ بِالنَّسَقِ ﴿وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ﴾ بَطَلَتْ ﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ حَسَنَاتُهُمْ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)﴾ قَالَ أَصْحَابُ السَّرِيَّةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نُؤْجَرُ عَلَى وَجْهِنَا هَذَا، وَهَلْ نَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُنَا هَذَا غَزْوًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ فَارَقُوا عَشَائِرَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴿وَجَاهَدُوا﴾ الْمُشْرِكِينَ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ طَاعَةً

(١) أورده ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق ٢ / ٢٥١ وما بعدها ورواه البيهقي في سننه الكبرى: ٩ / ١٢ بسند صحيح عن الزهري عن عروة مرسلا وقد وصله هو وابن أبي حاتم من طريق سليمان التميمي عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب أبي عبد الله. وسنده صحيح إن كان الحضرمي هذا هو ابن لاحق، (انظر: تخريج الألباني لأحاديث فقه السيرة للغزالي ص٢٣٠،٢٣١) أسباب النزول ص (٩٩-١٠٢) .

1 / 248