تفسير البغوي
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
پوهندوی
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
خپرندوی
دار طيبة للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الرابعة
د چاپ کال
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
عَبَّاسٍ قَالَ: الْفَحْشَاءُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَالسُّوءُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ الزِّنَا وَقِيلَ هِيَ الْبُخْلُ ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ تَحْرِيمُ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ قِيلَ هَذِهِ قِصَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي لَهُمْ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ قَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَيْ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَهُمْ كَانُوا خَيْرًا وَأَعْلَمَ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ (١)، وَقِيلَ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ نَازِلَةٌ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَائِدَةٌ إِلَى قَوْلِهِ "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا" (١٦٥-الْبَقَرَةِ) ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا﴾ أَيْ مَا وَجَدْنَا ﴿عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَائِدَةٌ إِلَى النَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا﴾ ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: بَل نَّتَّبِعُ بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي النُّونِ. وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ لَامَ هَلْ وَبَلْ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَالطَّاءِ وَالظَّاءِ وَوَافَقَ حَمْزَةُ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَالسِّينِ ﴿مَا أَلْفَيْنَا﴾ مَا وَجَدْنَا ﴿عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾ أَيْ كَيْفَ يَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ وَآبَاؤُهُمْ ﴿لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا﴾ وَالْوَاوُ فِي "أَوَلَوْ" وَاوُ الْعَطْفِ، وَيُقَالُ لَهَا وَاوُ التَّعَجُّبِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ لِلتَّوْبِيخِ وَالْمَعْنَى أَيَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، لَفْظُهُ عَامٌّ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ. أَيْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ أَمْرَ الدُّنْيَا ﴿وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كفروا كمثل الذين يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ﴾ وَالنَّعِيقُ وَالنَّعْقُ صَوْتُ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ مَعْنَاهُ مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الْكُفَّارِ فِي وَعْظِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ ﷿ كَمَثَلِ الرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ، وَقِيلَ مَثَلُ وَاعِظِ الْكُفَّارِ وَدَاعِيهِمْ مَعَهُمْ كَمَثَلِ الرَّاعِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ وَهِيَ لَا تَسْمَعُ ﴿إِلَّا دُعَاءً﴾ صَوْتًا ﴿وَنِدَاءً﴾ فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ" (٨٢-يُوسُفَ) مَعْنَاهُ كَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّاعِي وَلَا تَفْهَمُ وَلَا تَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهَا، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ
(١) انظر تفسير الطبري ٣ / ٣٠٥.
1 / 181