حالٌ مغبوطة لكان أخس البهائم أحسن حالًا من الإنسان، فيقتضي أن تكون هذه الحكم الإلهية والبدائع الربانية التي أظهرها الله تعالى في الإنسان عبثًا كما نبه الله تعالى عليه بقوله تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون) فإن أحكام بنية الإنسان مع كثرة بدائعها وعجائبها ثم نقضها وهدمها من غير معنى سوى ما تشاركه فيه البهائم من الأكل والشرب والسفاد مع ما يشوبه من التعب الذي قد أغني عنه الحيوانات سفهٌ: (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا. وما أظهر عند من ألقى عن مناكبه دثار العماية صدق أمير المؤمنين عليّ ﵇ في قوله: الدنيا دار ممر لا دار مقر فاعبروها ولا تعمروها وقد خُلقتم للأبد ولكنكم تنقلون من دار إلى دار حتى يستقر بكم القرار. وكثير من الجهال اتروا بقوم وصفوا بوفور العقل في أمور الدنيا حيث أنكروا أمر الآخرة فقالوا: لو كان ذلك حقًا لم ينكره أمثالهم مع وفور عقولهم وكثرة فهمهم ولم يعلموا أن العقل وإن كان جوهرًا شريفًا فإنه لا يتوجه إلا حيث وجه ولا غناء له إلا فيما إليه صُرف فإذا صُرف، إلى أمور لآخرة أحكمها وإذا صرف إلى أمور الدنيا قبلها وعكف عليها، وأخل بما سواها فتقصر بصيرته حينئذ عن الأمور الأخروية كما نبه الله عليه في غير موضع من كتابه وقد تقدم القول فيه.
فصل
اعلم أن الموت المتعارف الذي هو مفارقة الروح للبدن هو أحد الأسباب الموصلة للإنسان إلى النعيم الأبدي، وهو انتقال من دار إلى