فکر د اسلامي فریضه
التفكير فريضة إسلامية
ژانرونه
ونقارن بين هذه الأحوال التي عرضت لأكبر فلاسفة اليونان وبين أحوال الفلاسفة من المسلمين من المشتغلين بالفلسفة اليونانية، وهي أجنبية في البلاد الإسلامية، فلا نرى أحدا أصيب بمثل هذا المصاب من جراء الفلسفة أو الأفكار الفلسفية، ومن أصيب منهم يوما بمكروه، فإنما كان مصابه من كيد السياسة، ولم يكن من حرج بالفلسفة أو حجر على الأفكار ...
فأشهر الفلاسفة المسلمين في المشرق ابن سينا، الملقب بالشيخ الرئيس، دخل السجن؛ لأنه كان عند أمير همدان فبرم بالمقام عنده، وأراد أن يلحق بأمير أصفهان علاء الدولة ابن كاكويه، فسجنه أمير همدان ليبقيه إلى جواره، ولم يسجنه عقوبة له على رأي من آرائه.
وابن رشد أشهر الفلاسفة المسلمين في المغرب أصابته النكبة؛ لأنه لقب الخليفة المنصور في بعض كتبه بلقب ملك البربر، وكان يصادق أخاه «أبا يحيى» ويرفع الكلفة بينه وبين الخليفة فيناديه «يا أخي» وهو في مجلسه الخاص بين وزرائه وكبرائه.
ويحتاج المؤرخ في كل مصادره فكرية أو دينية - كما قلنا في تاريخ الفيلسوف
1 - إلى البحث عن سببين؛ أحدهما معلن، والآخر مضمر؛ فقليلا ما كان السبب الظاهر هو سبب النكبة الصحيح، وكثيرا ما كان للنكبة غير سببها الظاهر سبب آخر يدور على بواعث شخصية أو سياسية تهم ذوي السلطان. ويسري هذا على الشعراء كما يسري على الفلاسفة، ويسري على الجماعات كما يسري على الآحاد.
ولقد نكب بشار ولم ينكب مطيع بن إياس وكلاهما كان يتزندق، ويهرف في أمور الزندقة بما لا يعرف، ولكن بشارا هجا الخليفة، ومطيعا لم يقترف هذه الحماقة؛ فنجا مطيع وهلك بشار، ولم يكن ابن رشد أول شارح لكتب الأقدمين؛ فقد سبقه ابن باجة إلى شرح بعضها وإن لم يتوسع في هذا العمل مثل توسعه، ولكن ابن باجة كان يحسن مصاحبة السلطان، وابن رشد لم يكن يحسن هذه الصناعة، فنكب ابن رشد ولم ينكب ابن باجة، ولم يغن عن الفيلسوف المنكوب أنه شرح الكتب، كما تقدم، بأمر من أبي الخليفة.
واشتغل بالفلسفة اليونانية غير ابن سينا وابن رشد أعلام من هذه الطبقة من طراز الكندي والفارابي والرازي، كما اشتغل بها أناس دون هذه الطبقة في الشهرة والمكانة، فلم يصب أحدهم بسوء من جراء تفكيره، ولم يصدهم أحد عن البحث والكتابة إلا أن تستدرجهم حبالة من حبائل السياسة، فينالهم منها ما ينال سائر ضحاياها، ولو لم يكن أسهم في مذاهب الفلسفة أو الدين ... •••
وربما كمنت السياسة وراء دعوات المتفلسفين كما كانت وراء المصادرة من جانب الدولة وحكامها؛ لأن الزندقة التي كانت تتستر بستار الفلسفة إنما كانت في ناحية من نواحيها ثورة مجوسية ترمي إلى هدم الدولة الإسلامية من أساسها، وإقامة الدولة الفارسية في مكانها.
وتنسب الزندقة في أرجح الأقوال إلى كلمة «زندا» التي كانت تطلق على شرح كتاب «زردشت» وتعليقات الديانة المجوسية، وربما عمد الخلفاء إلى أناس من العلويين فاتهموهم بالزندقة، على خلاف المعقول أو المنتظر من أسرة تقيم حقوقها في الخلافة على وراثة النبي - عليه السلام - والمحافظة على رسالته الدينية، ولكن الشبهة كانت تلحق بهم من الاشتراك في مقاومة الدولة ولو على غير تفاهم بين الفريقين. وكان أعوان الدولة يحشرونهم جميعا في زمرة واحدة لتشويه الحركة العلوية بإلقاء الشبهة عليها من الوجهة الدينية.
أما فيما عدا السياسة وشبهاتها ومكائدها، فلم يصادر أحد من المشتغلين بالفلسفة لأنه يتفلسف، أو يخوض في بحث من البحوث الفكرية على تشعبها، وما لم يكن هذا المتفلسف عدوا مجاهرا بمحاربة الدين والدولة ونشر الفتنة، فلا جناح عليه ولا قدرة لخليفة أو أمير على مصادرته باسم الإسلام.
ناپیژندل شوی مخ