فکر د اسلامي فریضه
التفكير فريضة إسلامية
ژانرونه
ويجوز أن يقع هذا الاختلاف فيما يتعلق بمواضع النظر، وأساليب الفهم والتفكير، وهكذا خطر لبعض المستشرقين وكتاب الغرب الذين بحثوا في علاقة اختلاف الشعوب باختلاف مذاهب النظر والاجتهاد، فظن بعضهم أن طوائف الشيعة آمنت بالإمام لأنها ورثت تقديس الرؤساء والأحبار، وقيدت من حق العقل في البحث والفهم بمقدار ما أطلقت من سلطان الإمام، ووكلت إليه من حق القيادة والإرشاد ...
وفي هذا الظن من المستشرقين وهم لا شك فيه؛ لأن هذه المسألة بذاتها - مسألة الدراسة العقلية - قد كانت في طليعة المسائل التي اشتغل بها الشيعة الإماميون، ومن أفواه الشيعة الإماميين تلقى أساطين الفلسفة الإسلامية كلامهم في العقل والنفس، وفي مذهب الأفلاطونية الحديثة ومذهب أفلوطين منها على التخصيص.
ويقول الشيخ الرئيس ابن سينا فيما رواه عنه تلميذه الجوزجاني: «كان أبي ممن أجاب داعي المصريين، ويعد من الإسماعيلية، وقد سمعت منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم، وكذلك أخي» ...
والفارابي أستاذ ابن سينا بالاطلاع والقدوة نشأ فيما وراء النهر، ووعى أقوال الشيعة الإمامية في شروط الإمامة، ومزج بينها وبين شروط أفلاطون في كتاب الجمهورية، فجعل الإمام صفوة الخلق في كمال الصفات، واجتماع الفضائل العقلية والنفسية؛ بل فضائل الجسد التي تنزهت عن شوائب الضعف والمرض. وكان إخوان الصفاء يدينون بمذهب في الإمامة كهذا المذهب، ويؤلفون الرسائل مع هذا في المنطق، وفي علوم الرياضة والفلك وما إليها من علومهم العقلية ...
فالدراسات المنطقية - وسائر الدراسات العقلية - كانت من شواغل الشيعة الإماميين، ولم يكن إيمانهم بالإمامة مما يصرف العقل عن التوسع في علم من العلوم، وربما أخذت عليهم طوائف المسلمين إفراطا في هذا الباب، ولم تأخذ عليهم تفريطا فيه يتعمدونه أو يساقون إليه على غير عمد.
وإنما كان الإمام عندهم مرجع المختلفين حين ينقطع بهم القياس، ويئول الرأي إلى هداية المعلم فيما جاوز طاقة المتعلمين، وحجتهم في ذلك أن المعرفة لا تتحقق كلها بالقياس، وأن شيئا وراء القياس ينبغي أن يصار إليه في حال من الأحوال، وهم يلجئون إلى القياس حتى في إثبات هذه الحقيقة، كما يؤخذ من المناقشة المشهورة بين الإمامين جعفر الصادق وأبي حنيفة؛ قال الإمام جعفر: أيهما أكبر يا نعمان؛ القتل أو الزنى؟ قال الإمام أبو حنيفة: القتل، فقال الإمام جعفر: فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزنى أربعة؟ أينقاس لك هذا؟ ثم قال: فأيما أكبر؛ البول أو المني؟ قال: البول، قال: فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل؟ أينقاس لك هذا؟
4
إلى آخر الأمثلة التي ساقها الإمام جعفر ... وهي في الواقع قياس للدلالة على أن القياس لا يغني في جميع الأحوال عن الرجوع إلى الإمام المتبوع، فليس هو إنكارا للقياس، ولكنه إنكار لدعوى من يدعي أن القياس يصلح لكل قضية، ويفض كل خلاف ...
ولسنا نقول: إن الأمثلة قاطعة بالحجة؛ لأن الواقع أن إثبات القتل أيسر من إثبات الزنى، وأن تأويل الاختلاف بين طهارة الوضوء وطهارة الغسل لا يمتنع بالدليل المعقول؛ فإن المسألة هنا ليست مسألة مادة تخرج من الجسم وكفى، ولكنها مسألة الاختلاف بين حالة يضطرب لها الجسم كله، وحالة لا اضطراب فيها، كذلك الاضطراب، وهو اختلاف يكفي لتفسير التطهير في إحداهما بالوضوء، والتطهر في الأخرى بالغسل الذي يعم جميع الأعضاء ...
إلا أن المثل الذي ساقه الإمام كان في بيان لزوم القياس حتى في مناقشة القياس على إطلاقه، ولم يخطئ التوفيق جماعة المستشرقين في شيء كما أخطأهم في ظنهم أن تحكيم العقل محظور على طائفة المسلمين؛ لأنها ترى في الإمامة رأيا يخالف جملة الآراء في هذا الباب.
ناپیژندل شوی مخ