فکر د اسلامي فریضه
التفكير فريضة إسلامية
ژانرونه
وقد ظهر المنطق والجدل بين اليونان الأقدمين، فأكبروا المنطق، ونظروا إلى الجدل نظرة اشتباه وإنكار، وهو الذي سموه - بعد - بالسفسطة، أو ترفقوا فسموه علم البراهين الخطابية
Rhetoric ، وحسبوه صناعة لازمة في معرض الإقناع والتأثير ...
وكان اسم «السفسطة» في نشأته الأولى معظما مبجلا بين الحكماء وتلاميذهم وجمهرة المعنيين بالحكمة والمعرفة، وكان اسم «السوفيست» أعظم شأنا من اسم الفيلسوف؛ لأن السوفيست ينتمي إلى ربة الحكمة «صوفية»؛ فهو الحكيم الذي ألهمته تلك الربة، وفرغ من مؤنة المعرفة.
فلما ظهر الحكيم «فيثاغوراس» استكبر هذه الدعوى وتواضع فسمى نفسه فيلسوفا؛ أي محبا للحكمة يطلبها، ولا يزعم أنه وصل إليها، ثم نجم بعد قرن من عصر فيثاغوراس ناجم من فتنة الحذلقة باسم الحكمة يقودها بروتاغوراس
الأبديري، فراح يتحدى من ينكر عليه العلم أن يسأله فيما يشاء، وهو كفيل بالإجابة عليه بلا وقاء، وعدل عن اسم الفيلسوف الذي يقنع بمحبة الحكمة إلى اسم «السوفيست» مرة أخرى؛ لزعمه أنه ملك الحكمة واستوفاها.
وغلبت كلمة «السفسطة» من هنا على كل من يدعي هذه الدعوى، ويتحذلق هذه الحذلقة، وكثر الاشتغال بالبرهان في المنازعات القضائية والمناقشات السياسية، فانفصلت الصناعتان باتفاق المعلمين والمتعلمين، وصرح أصحاب كل صناعة بما يريدونه من عملهم وتعليمهم، وأصبح من المفهوم المتفاهم عليه أن المنطق بحث عن الحقيقة، وأن الجدل بحث عن المصلحة أو الرغبة المتنازع عليها.
وتصدى لتعليم الجدل أو البراهين الخطابية أناس يقصدهم المتعلمون؛ ليعرفوا كيف ينتصرون على خصومهم في مجال المنازعة والملاحاة، ويضع الآباء أبناءهم في كفالتهم ليدربوهم على صناعة التقاضي والتأثير في سبيل الإقناع بالحجة، أيا كان حظها من الحقيقة ...
ومما يحكى عن أستاذ سفسطائي أنه اتفق مع تلميذ له على أن يخرجه للدفاع في القضاء والمنازعات العامة خلال عامين بأجر متفق عليه، فلما انتهى العامان طلب الأستاذ أجره، وقال التلميذ: بل أناقشك في هذا الأجر؛ هل تستحقه بعملك، أو تطلبه بغير حق؟ فإن أقنعتك بأنك لا تستحقه؛ فلا حق لك فيه باعترافك، وسكوتك حجة على هذا الاعتراف، وإن لم أقنعك فلا حق لك فيه؛ لأنك لم تعلمني كيف أقيم البرهان على دعواي.
وكان جواب الأستاذ - كمثال تلميذه - مثلا للبرهان المطلوب في هذه الصناعة، فقال له: إنني أقبل أن أناقشك، ولكني على غير النتيجة التي خلصت إليها؛ أناقشك في حقي فتعطيه مرة إذا ثبت عليك، وتعطيه مرتين إذا لم أثبته أمامك؛ لأنني علمت تلميذا ما يغلب به أستاذه في صناعة البرهان، مع اتفاقهما أولا على الحق الذي يتنازعانه في النهاية ...
وبلغ من التفاهم على الفصل بين البرهان والحقيقة في صناعة الجدل أنهم أصبحوا يقولون عن الحجة: إنها حجة خطابية؛ أي تقنع ولا يشترط فيها أن تدل على الحقيقة، ويقولون عن السؤال: إنه سؤال خطابي؛ أي لا يراد منه جواب معلوم عن توجيه السؤال، كقول الخطيب للسامعين في معرض الزجر والاستثارة: هل أنتم وطنيون؟ هل أنتم سامعون؟ إلى أمثال هذه الأسئلة التي يسألها المتكلم ليؤثر بها على مستمعيه لا لأنه ينتظر الجواب عليها ...
ناپیژندل شوی مخ