وأما إيراثه المضرة إلى الخلق، فهو أنهم يقعون بمطالعة مثل هذا في الجهل المركب، ويبتلون بالغرق، فإن نقاد الفنون في هذه الأعصار والأمصار قليلون، وعارفوا الرجال بالحق ندرون، وأكثرهم إنما يعرفون الحق بالرجال، ويعتمدون على ما سطره من اشتهر بالفضل والكمال، ولا يعرجون إلى قلة تنقيح المقال، بل يكتفون بما قيل أو يقال، ويكثرون التنقل، ومن أكثر التنقل وقع في التغفل.
هذا شأن أكثر أهل العلم والفضل، فما ظنك بمن كان مكنى بأبي الإثم والجهل، فهولاء إذا وقفوا على هذه التصانيف المشتملة على المغلطة(1)، وقعوا في المزلقة.
وثانيهما: أن يتحفظ الخواص والعوام من أكاذيب الأوهام، وأعاجيب الأحلام؛ لئلا يعدوا باعتقادها من الأنعام.
وهذا الذي ارتكبته؛ لهذا الغرض الذي أوردته، لست متفردا في ذلك، وليس ذلك بأول قارورة كسرت في الدورة الإسلامية، بل لم تزل جهابذة النبلاء، وأساتذة الفضلاء، يردون على من كثرت منه المسامحات والمناكير، والمغالطات والأساطير، ويخطئونه، ويجهلونه، ويعيبون عليه ما صدر عنه، ويقولون: إنه لا له بل عليه ، ويشددون النكير عليه، ويحكمون بوجوب التعزير عليه، كل ذلك مع سلامة الصدر من الحقد، والحسد، والبغض، وسلامة اللسان من السب، والشتم، والفحش، وسنطلع على تفصيل هذا فيما يأتي بعد هذا، وقد حصل بحمد الله الغرض الثاني الأجل دون الأول، وكان مهتما به غير أهون.
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
مخ ۱۲