التذكرة في الفقه
«على مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل»
تصنيف
أبي الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي
(المتوفى سنة ٥١٣ هـ)
تحقيق وتعليق
الدكتور ناصر بن سعود بن عبد الله السلامة
القاضي بمحكمة عفيف
دار إشبيليا
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(ح) نَاصِر بن سعود بن عبد الله السَّلامَة، ١٤٢١ هـ
فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر
أبي الْوَفَاء الْبَغْدَادِيّ، عَليّ بن عقيل
التَّذْكِرَة فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل / تَحْقِيق نَاصِر بن سعود بن عبد الله السَّلامَة - الرياض
٤٠٨ ص، ١٧ × ٢٤ سم
ردمك: ٥ - ٣٠٧ - ٣٨ - ٩٩٦٠
١ - الْفِقْه الْحَنْبَلِيّ
أ - السَّلامَة، نَاصِر بن سعود بن عبد الله (مُحَقّق)
ب - العنوان
ديوي ٢٥٨.٤ ... ٢٥٣٠/ ٢١
رقم الْإِيدَاع: ٢٥٣٠/ ٢١
ردمك: ٥ - ٣٠٧ - ٣٨ - ٩٩٦٠
حقُوق الطّبع مَحفُوظة لِلمُحقّق
الطّبعَة الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
دَار إشبيليَا للنشر والتوزيع
المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - ص. ب: ١٣٣٧١ - الرياض: ١١٤٩٣
هَاتِف: ٤٧٩٤٣٥٤ - ٤٧٤٢٤٥٨ - فاكس: ٤٧٧٣٩٥٩
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذا هو كتاب "التذكرة" في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ﵀ تأليف أبي الوفاء بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي، المتوفى سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وهو كتاب متوسط ليس بالطويل الممل، وليس بالقصير المخل، اقتصر فيه مؤلفه على المذهب الحنبلي في غالب أبوابه، ويذكر أحيانًا بعض أقوال المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، وبعض أقوال فقهاء الأمصار، كما في كتاب الفرائض منه، وقد قام المؤلف بذكر الأقوال والروايات في المسألة الواحدة عن الإمام أحمد ﵀ ورجح فيما بينها، ويختار بعضها.
ومما دعاني إلى تحقيق هذا الكتاب والعناية به ما يلي:
أولًا: قيمة الكتاب العلمية، وأهميته في تصحيح الروايات في المذهب الحنبلي.
1 / 3
ثانيًا: كون مؤلفه من كبار أئمة الحنابلة وأقواله وترجيحاته معتبرة في المذهب الحنبلي.
ثالثًا: اعتماد من جاء بعده من العلماء على هذا الكتاب ونقلهم منه واعتدادهم بترجيحاته، كما هو واضح في كثير من أبواب كتاب "الإنصاف" للمرداوي.
فلما رأيت ما لهذا الكتاب من أهمية وأنه لم يسبق نشره، رغبت في تحقيقه والتعليق عليه راجيًا أن ينفع الله به، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر في عشاء الآخرة يوم الأحد ٢٠/ ١٢/ ١٤٢٠ هـ بمنزلي بمحافظة عفيف.
كتبه الدكتور
ناصر بن سعود بن عبد الله السلامة
القاضي بمحكمة عفيف
1 / 4
ترجمة موجزة للمؤلف
اسمه ونسبه:
هو أبو الوفاء عليُّ بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد الظفري، البغدادي (١).
وذكر ابن أبي يعلي أنه: علي بن محمد بن عقيل (٢).
وذكر الذهبي في "السير" أن اسمه: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله (٣).
والظفري -بفتح الظاء والفاء- نسبة إلى الظفرية، وهي محلة كبيرة شرقي بغداد (٤).
ولادته:
وُلد ابن عقيل في بغداد في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة (٥).
وقيل: سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة (٦).
وقيل: سنة ثلاثين وأربع مئة (٧).
_________
(١) انظر: المنتظم ٩٢١٢، والبداية والنهاية ١٢/ ١٨٤، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٢، المنهج الأحمد ٣/ ٧٨.
(٢) انظر: طبقات الحنابلة ٢/ ٢٥٩.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٣.
(٤) انظر: الأنساب ٤/ ١٠٢.
(٥) انظر: المنتظم ٩/ ٢١٢، والبداية والنهاية ١٢/ ١٨٤، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٦) انظر: طبقات الحنابلة ٢/ ٢٥٩.
(٧) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٦٣٥.
1 / 5
أسرته:
يقول ابن عقيل عن أسرته: "وأما أهل بيتي، فإن بيت أبي كلهم أرباب أقلام وكتابة، وشعر، وأدب، وكان جدي محمد بن عقيل كاتب حضرة بهاء الدولة، وهو المنشئ لرسالة عَزْل الطائع وتولية القادر، ووالدي أنظر الناس وأحسنهم جزلًا وعلمًا، وبيت أمي بيت الزهري، صاحب الكلام والمدرس على مذهب أبي حنيفة" (١).
شيوخه:
لقد تلقى ابن عقيل العلم عن عدد كبير من العلماء في فنون متعددة، وفيما يلي أهم مشايخ ابن عقيل الذين أخذ عنهم وأفاد منهم:
١ - ابنُ شيطا: أبو الفتح عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا البغدادي، كان من كبار أئمة القراء، ولد ببغداد سنة سبعين وثلاث مئة، وتوفي بها سنة خمسين وأربع مئة (٢).
٢ - ابنُ بَرهان: عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن بَرهان العكبري، كان من علماء العربية، عالمًا بالنحو والتاريخ وأيام العرب، أخذ عنه ابن عقيل الأدب والنحو، مات سنة ستِ وخمسين وأربع مئة (٣).
٣ - أبو بكر الدينوري: ذكر ابن عقيل أنه أخذ عنه الزُّهد (٤).
_________
(١) انظر: المنتظم ٩/ ٢١٣، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٣، والمنهج الأحمد ٣/ ٨١.
(٢) انظر: تاريخ بغداد ١١/ ١٦، والمنتظم ٨/ ١٩٩، ومعرفة القُراء الكبار ١/ ٣٣٣.
(٣) انظر: تاريخ بغداد ١١/ ١٧، والمنتظم ٨/ ٣٣٧، والبداية والنهاية ١٢/ ٩٢.
(٤) انظر: المنتظم ٩/ ٢١٢.
1 / 6
٤ - أبو منصور ابن زيدان: وقيل: أبو بكر. ذكر ابن عقيل أنه أخذ عنه الزهد (١).
٥ - أبو الوفاء القزويني (٢): وقيل: أبو الحسين القزويني (٣)، وقيل: أبو الحسن، هو علي بن عمر بن محمد بن الحسن الحربي، كان شيخًا لابن عقيل في الزهد، قال ابن عقيل: "شهدتُ جنازته، وكان يومًا لم يُر في الإسلام بعد جنازة أحمد بن حنبل مثله" (٤).
٦ - أبو منصور ابن صاحب الزيادة العطار: هو محمد بن أحمد بن عبيد، المعروف بابن صاحب الزيادة. توفي سنة ثمانٍ وستين وأربع مئة (٥).
٧ - ابن التَّوَّزي: أحمد بن علي بن الحسين بن محمد موسى، أبو الحسين، المعروف بابن التَّوَّزي، كان شيخ ابن عقيل في الحديث، توفي سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة (٦).
٨ - ابنُ بِشران: محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران البغدادي، راوي السنن عن الدارقطني. أخذ عنه ابن عقيل الحديث، وكان ثقة، توفي سنة ثمان وأربعين وأربع مئة (٧).
٩ - العُشاري: محمد بن علي بن الفتح بن محمد الحربي البغدادي، كان ثقة ديِّنًا، مكثرًا من الحديث، أخذ عنه الحديث ابن عقيل وغيره، توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مئة (٨).
_________
(١) انظر: المنتظم ٩/ ٢١٢، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٣، المنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٢) انظر: المنتظم ٩/ ٢١٢، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٣) انظر: ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٢.
(٤) انظر: تاريخ بغداد ١٢/ ٤٣.
(٥) انظر: المنتظم ٨/ ٢٩٩، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٦) انظر: تاريخ بغداد ٤/ ٣٢٤، والمنتظم ٩/ ٢١٢، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٧) انظر: تاريخ بغداد ٤/ ٢٤٨، والمنتظم ٩/ ٢١٢، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٨) انظر: تاريخ بغداد ٣/ ١٠٧، وطبقات الحنابلة ٢/ ١٩١، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
1 / 7
١٠ - الجوهري: الحسنُ بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري البغدادي، كان ثقة، صالحًا، توفي سنة اثنتين -وقيل: أربع- وخمسين وأربع مئة (١).
١١ - ابن شبل: محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن يوسف الشِّبلي، أحد الشعراء المشهورين، كان شيخًا لابن عقيل في الشعر، توفي سنة تلاث وسبعين وأربع مئة (٢).
١٢ - ابن الفضل: علي بن الحسين بن علي بن الفضل، أبو منصور الشاعر، المعروف بَصُرَّدُرّ. كان ممن أخذ ابن عقيل الشعر عنهم، توفي سنة خمس وستين وأربع مئة (٣).
١٣ - أبو الفضل الهمذاني: عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد الهمذانيُّ الفرضي، كان من أئمة الدين وأوعية العلم، وله اليد الطولى في العلوم الشرعية، وانتهت إليه الرئاسة في علم الفرائض والحساب، توفي سنة تسعٍ وثمانين وأربع مئة (٤).
١٤ - ابن العلاف: محمد بن علي بن محمد بن يوسف أبو طاهر، البغدادي، كانت له حلقة في جامع المهدي، ثم من بعده في جامع المنصور، توفي سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة (٥).
١٥ - أبو يعلي ابن الفراء: محمد بن الحسين بن خلف بن أحمد بن الفراء، البغدادي، القاضي، شيخ الحنابلة في وقته. وهو أول من أخذ ابن عقيل
_________
(١) انظر: تاريخ بغداد ٧/ ٣٩٣، والمنهج الأحمد ٣/ ٧٩، وشذرات الذهب ٦/ ٥٩.
(٢) انظر: المنتظم ٨/ ٣٢٨، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٢، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٣) انظر: المنتظم: ٨/ ٢٨١، ووفيات الأعيان ٣/ ٣٨٥، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٤) انظر: المنتظم ٩/ ١٠٠، والبداية والنهاية ١٢/ ١٥٣، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٥) انظر: تاريخ بغداد ٣/ ١٠٣، والمنتظم ٨/ ١٤٨، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠، وشذرات الذهب ٦/ ٥٩.
1 / 8
الفقه عنه، توفي سنة ثمانٍ وخمسين وأربع مئة (١).
١٦ - أبو إسحاق الشيرازي: إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزآبادي، الشافعي، كان مقدَّمًا في الأصول والفقه والجدل، توفي سنة ست وسبعين وأربع مئة (٢).
١٧ - ابن الصباغ: عبدُ السَّيِّد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو نصر، الشافعي، كان مقدمًا ورعًا، تقيًا، انتهت إليه رئاسة الشافعية في وقته، توفي سنة سبعٍ وسبعين وأربع مئة (٣).
١٨ - الدَّامغانيُّ: محمد بن علي بن محمد بن الحسين، أبو عبد الله الدامغاني، الحنفي، القاضي، كان عفيفًا، وافر العقل، كامل الفضل، مكرمًا لأهل العلم، أخذ عنه ابن عقيل الفقه. توفي سنة ثمانٍ وسبعين وأربع مئة (٤).
١٩ - أبو بكر الخطيب: أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد الخطيب، البغدادي، الحافظ المحدِّث، المؤرخ، صاحب التصانيف الكثيرة، أخذ عنه ابن عقيل الحديث. توفي سنة ثلاثٍ وستين وأربع مئة (٥).
٢٠ - أبو إسحاق الخزاز: إبراهيم بن الحسين بن الخزاز، المقرئ، الزاهد، الصالح، شيخ القراء في وقته، توفي ببغداد سنة تسع وثمانين وأربع مئة (٦).
_________
(١) انظر: تاريخ بغداد ٢/ ٢٥٦، والمنظم ٨/ ٢٥٣.
(٢) انظر: المنتظم ٩/ ٧، والبداية والنهايه ١٢/ ١٢٤، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٣) انظر: المنتظم ٩/ ١٢، والبداية والنهاية ١٢/ ١٢٦، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٤) انظر: تاريخ بغداد ٣/ ١٠٩، والمنتظم ٩/ ٢٢.
(٥) انظر: المنتظم ٨/ ٢٦٥، والبداية والنهاية ١٢/ ١٠١، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٠.
(٦) انظر: المنتظم ٩/ ٨٩.
1 / 9
تلاميذه:
لقد تولى ابن عقيل التدريس سنين طويلة، وأخذ عنه العلم مجموعة كبيرة من أهل العلم، وبرز بعضهم منهم:
١ - ابن ناصر: محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي، كان حافظًا ضابطًا ثقة، خبيرًا بالجرح والتعديل، توفي سنة خمسين وخمس مئة (١).
٢ - المغازلي: عمر بن ظفر بن حفص المغازلي البغدادي، كان مقرئًا، محدثًا، توفي سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة (٢).
٣ - أبو المعمَّر الأنصاري: المبارك بن أحمد بن عبد العزيز الخزرجي الأنصاري، كان ذا فهم وعلم بالحديث، توفي سنة تسع وأربعين وخمس مئة (٣).
٤ - أبو سعد السمعاني: عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، العالم، الحافظ، البارع، صاحب التصانيف، أحد من أجاز لهم ابن عقيل، توفي سنة ثلاث وستين وخمس مئة (٤).
مكانته العلمية:
لقد برع ابن عقيل في علوم كثيرة وخاصة علم الفقه وأصوله، فأثنى عليه العلماء، ووصفوه بالإمام المجتهد شيخ الإسلام، وهذه بعض أوصافهم له التي تدل على مكانته العلمية:
_________
(١) انظر: المنتظم ١٠/ ١٦٢، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٢٥، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٩.
(٢) انظر: معرفة القراء الكبار ٢/ ٤٠٧، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٩.
(٣) انظر: المنتظم ١٠/ ١٦٠، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٩.
(٤) انظر: المنتظم ١٠/ ٢٢٤، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٩.
1 / 10
قال ابن رجب: "كان من أفاضل العالم، وأذكياء بني آدم، مُفرط الذكاء، متسع الدائرة في العلوم، وكان خبيرًا بالكلام، مطلعًا على مذاهب المتكلمين" (١).
وقال ابن الجوزي: "انتهت إليه الرئاسة في الأصول والفروع، وله الخاطر العاطر، والفهم الثاقب، واللباقة، والفطنة البغدادية، والتبريز في المناظرة على الأقران، والتصانيف الكبار" (٢).
وقال الذهبي: "الإمام العلاّمة، البحر، شيخ الحنابلة، المتكلم، صاحب التصانيف. كان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف، وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير" (٣).
وقال ابن مفلح: "المقرئ، الفقيه، الأصولي، الواعظ، المتكلم، أوحد المجتهدين" (٤).
وقال العليمي: "المقرئ، الفقيه، الأصولي، الواعظ، التكلم، أحد الأعلام، شيخ الإسلام (٥).
وقال ابن العماد الحنبلي: "كان إمامًا مبرزًا، كثير العلوم، فائق الذكاء، مكبًا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير" (٦).
_________
(١) انظر: ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥٥.
(٢) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٦٣٤.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٣ - ٤٤٥.
(٤) انظر: المقصد الأرشد ٢/ ٢٤٥.
(٥) انظر: المنهج الأحمد ٣/ ٧٩.
(٦) انظر: شذرات الذهب ٦/ ٥٨.
1 / 11
مؤلفاته:
لقد ألف ابن عقيل في فنون متعددة، وهذا بيانها: (١)
١ - الفنون. وصفه ابن رجب بقوله: "هو كتاب كبير جدًا، فيه فوائد جليلة في الوعظ والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيدها فيه".
وقال عنه الذهبي في تاريخه: "لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربع مئة" وقد وجدت قطعة منه في مكتبة باريس وقام جورج المقدسي بطبعها عام ١٩٦٩ م ونشرته دار الشروق ببيروت في مجلدين.
٢ - الفصول في الفقه الحنبلي، ويسمى "كفاية المفتي" ويقع في عشرة مجلدات، وقد وجد منه جزء في المكتبة الظاهرية بمكتبة الأسد بدمشق تحت رقم "٦٣" فقه حنبلي، ويحتوي على كتاب الجهاد، ومنه جزء من مكتبة شستر بيتي بأيرلندا تحت رقم (٥٣٦٩) وله صور بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ومنه جزء بدار الكتب المصرية تحت رقم "١٣" فقه حنبلي.
٣ - الواضح في أصول الفقه. حقق رسائل علمية بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وقد طبع بتحقيق الدكتور عبد الله التركي ونشرته مؤسسة الرسالة عام ١٤١٩ هـ.
_________
(١) انظر في ذكر مؤلفاته: ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥٥، ١٥٦، والمنهج الأحمد ٣/ ٩٠، ٩١، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص ٢٠٩.
1 / 12
٤ - التذكرة. وهو كتابنا هذا، وسوف يأتي الحديث عنه.
٥ - عمدة الأدلة.
٦ - المفردات.
٧ - الإرشاد في أصول الدين.
٨ - المنثور في الفقه.
٩ - الإشارة، وهو مجلد لطيف اختصر فيه كتاب "الروايتين والوجهين".
١٠ - الانتصار لأهل الحديث.
١١ - نفي التشبيه.
١٢ - مسألة الحرف والصوت. نشر في مجلة الدراسات الشرقية للمعهد الفرنسي بدمشق سنة ١٩٧١ م بتحقيق جورج المقدسي، وله نسخة خطية بمكتبة الظاهرية بمكتبة الأسد بدمشق تحت رقم "٢٤٥" حديث.
١٣ - الجدل على طريقة الفقهاء. طبع أكثر من مرة.
١٤ - مسائل مشكلة في آيات من القرآن.
١٥ - تهذيب النفس.
١٦ - تفضيل العبادات على نعيم الجنات.
١٧ - المجالس النظريات.
١٨ - رؤوس المسائل في الفقه.
1 / 13
وفاته:
توفي ابن عقيل ﵀ بكرة الجمعة، ثاني عشر من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وصُليّ عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الإمام عليه في جامع القصر ابن شافع، وكان الجمع يفوت الإحصاء، قال ابن ناصر: حزرتهم بثلاث مئة ألف. ودفن في دكة قبر الإمام أحمد ﵀ (١).
_________
(١) انظر: ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٦٢، وسير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٧، والمقصد الأرشد ٢/ ٢٤٨، والمنهج الأحمد ٣/ ٩٦، ٩٧، وشذرات الذهب ٦/ ٥٨.
1 / 14
وصف النسخة الخطية
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة لم أقف على غيرها وهي محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم (٨٧) فقه حنبلي، وعدد أوراقها ٢٤٦ ورقة، وناسخها لم يتبين لي اسمه لعدم وضوحه بصورة المخطوط، وتاريخ نسخها ٢٠/ ٧/ ٦٢١ هـ، وقد أصابتها رطوبة أذهبت بعض الأسطر في مواضع متعددة من الكتاب، كما أنه يوجد سقط يسير في بعض الصفحات وترقيمها فيه خلل كبير قمت بإصلاحه.
ويوجد لهذه النسخة صورة على مكروفلم بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكذلك صورة بمعهد البحوث والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
1 / 15
تحقيق الكتاب
قمت بتحقيق الكتاب على النحو التالي:
١ - نسخت الكتاب مراعيًا في ذلك قواعد الإملاء وعلامات الترقيم الحديثة، وذلك بعد ترتيب أوراقه المختلفة، وذلك لأن الترقيم غير سليم.
٢ - عزوت الآيات القرآنية، وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية.
٣ - خرجت الأحاديث النبوية والآثار في كتب السنّة وفي الغالب أذكر الحكم على الحديث إذا لم يكن في الصحيحين.
٤ - شرحت الكلمات الغريبة.
٥ - قمت ببيان الذهب عند الحنابلة في الروايات التي أطلقها المؤلف، وكذلك التي نص على أنها الصحيح من الذهب.
٦ - ختمت الكتاب بفهارس فنية مختلفة.
1 / 16
نماذج من صور المخطوط
1 / 17
التَّذكرَةَ
في الفِقهِ
عَلى مَذهَب الإمَام أحمد بَن محَمَّد بن حَنَبل
تصنيف
أبي الوفَاء عَلي بن عَقيل بن محمّد بنَ عقيل
البغدَادي الحَنبَلي
المتوفى سنة ٥١٣ هـ
تحقيق وَتَعليق:
الدّكتور نَاصِر بن سُعُود بن عَبد الله السَّلَامَة
القَاضِي بمَحكمَة عَفيف
1 / 21
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين [] (١) لأبواب الفقه [] (١) ويسهل حفظه فأجبتك إلى ذلك مؤملًا من الله بلوغ غرضك، وحسن التوفيق في ذلك، وهو ولي ذلك.
كتاب الطهارة
باب المياه
قال الله ﷾: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (٢)
الماء في أصل خلقته طاهر مطهر يزيل الأحداث والأنجاس ما لم يخالطه شيء، وما يخالطه على ثلاثة أضراب: ما يوافقه ﴿٢/ أ﴾ ﴿﴾ (١)
الضرب الثاني: ﴿﴾ (١) المائعات والزعفران ﴿﴾ (١) والجامدات، فإذا غيره سلبه الطهورية فصار الماء لا يرفع حدثًا ولا يزيل نجسًا في أصح الروايتين (٣).
الضرب الثالث: ما خالفه في الطهارة والتطهير وهي الأنجاس، فإذا خالطته وهو دون القلتين، أو غيرته وكان قلتين فصاعدًا سلبته الطهارة والتطهير.
فصل
فأما ما لا ينفك عن الماء مثل الطحلب وورق الشجر وقرار الماء إذا انفصل
_________
(١) ما بين المعكوفين لم يتضح بالمخطوط من جراء رطوبة أصابته.
(٢) سورة الفرقان "٤٨".
(٣) وهو المذهب. انظر الإنصاف ١/ ٣٢.
1 / 23
حمأة، والعود ﴿١٤/ ب﴾ التي يجري الماء عليها، كالنفط، والقار، والكبريت فلا يسلب الماء تطهيره، لأنه لا يمكن التحرز منه، ولا حفظ الماء عنه.
فإن نقلت هذه الأشياء عن أماكنها ومعادنها وطرحت في الماء كانت بمثابة الزعفران.
وسائر ما تقدم من المائعات التي لا يجوز الوضوء بها، والجامدات التي لا يجوز التيمم بها تسلب الماء تطهيره.
فصل
فأما الأشياء التي تتماسك عن المخالطة إما لصلابتها كالعود، والعنبر، والكافور، أو لخفتها وقهر الماء لها عن الانتشار، كالدهن، فإذا حصلت في الماء فإن لم يجد ريحها لم تمنع تطهيره، لأنها غير مخالطة لكنها مجاورة، فإن سحقت أو طحنت حتى صارت كالذريرة (١)، أو الدقيق ﴿١٥/ أ﴾ وطرحت في الماء كان حكمها حكم الزعفران والدقيق إذا غيرت إحدى أوصافه أزالت تطهيره
فصل
فأما إذا طبخ في الماء الباقلاء، والحمص، والأرز، والعدس، وما شاكل ذلك من الحبوب لم يجز الوضوء به، ولا إزالة النجاسة به، رواية واحدة، لأنه استحال مرقةً وأدما.
فصل
فإن تغير بالتراب، أو الرمل، أو طين الحُدّ، أو الأطيان كلها على اختلاف ألونها وأنواعها فهو على حكم أصله من طهارته وتطهيره سواء كان
_________
(١) الذريرة: هي الطيب المسحوق. انظر: المغني ٣/ ٣٨٨.
1 / 24