وقد ذكر في هذا المعنى أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ﵁ في كتاب عيون الأخبار له حكاية فيها طول، رأينا ذكرها لاشتمالها على وعظ وتذكير وتخويف وتحذير وتضرع وابتهال ودعاء بالموت والانتقال.
روي عن الحارث بن نبهان أنه قال: كنت أخرج إلى الجبانات فأرحم على أهل القبور وأتفكر وأعتبر وأنظر إليهم سكوتًا لا يتكلمون وجيرانًا لا يتزاورون، وقد صار لهم من بطن الأرض وطاء ومن ظهرها غطاء وأنادي: يا أهل القبور محيت من الدنيا آثاركم، وما محيت عنكم أوزاركم، وسكنتم دار البلاء فتورمت أقدامكم قال: ثم يبكي بكاء شديدًا ثم يميل إلى قبة فيها فينام في ظلها.
قال: فبينما أنا نائم إلى جانب القبر إذ أنا بحس مقمعة يضرب بها صاحب القبر وأنا أنظر إليه والسلسلة في عنقه، وقد ازرقت عيناه واسود وجهه وهو يقول: يا ويلي ماذا حل بي لو رآني أهل الدنيا ما ركبوا معاصي الله أبدًا.
طولبت والله باللذات فأوبقتني وبالخطايا فأغرقتني فهل من شافع لي أو مخبر أهلي بأمري؟ !
قال الحارث: فاستيقظت مرعوبًا وكاد أن يخرج قلبي من هول ما رأيت، فمضيت إلى داري وبت ليلتي وأنا متفكر فيما رأيت، فما أصبحت قلت دعني أعود إلى