وقال الشيخ تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، ﵀، أجاز لي جماعة أن أروي عنهم ما تصح روايته من مقول ومنقول، وكان شيخ زمانه غير مدافع، قرأ علي موهوب بن الخضر الجواليقي، رحمهم الله تعالى:
عفا اللهُ عمَّا جرَّه اللهوُ والصبا ... وما مرَّ من قالِ الشبابِ وقيلهِ
زمانَ صحبناهُ بأرغد عيشةٍ ... إلى أن مضى مستكرهًا لسبيلهِ
وأعقبنا منْ بعدهِ غير مشتهى ... مشيبٌ نفى عنَّا الكرى بحلولهِ
لئن عظمت أحزانُنا بنزولهِ ... لأعظمُ منها خوفنا من رحيلهِ
البيت الأخير مثل قول الأول:
الشيبُ كرهٌ وكرهٌ أنْ يفارقني ... فاعجبْ لشيءٍ على البغضاءِ مودودُ
وقال آخر:
يا زمانَ الشبابِ ما زلتُ أبكي ... ك دم المقلتينِ دونَ الدموعِ
أنتَ كنتَ الدنيا فلما تولي ... ت تولَّت فهل لها من رجوعِ
أبو الحسن الخراساني:
ذريني أواصل لذتي قبل فوتها ... وشيكًا لتوديع الشباب المفارقِ
فما العيشُ إلاّ صحةٌ وشبيبةٌ ... وكأسٌ وقربٌ من حبيبٍ موافقِ
ومَنْ عرفَ الأيامَ لم يغتررْ بها ... وبادرَ باللذاتِ قبلَ العوابقِ
صفي الدين منصور الإربلي: اجتمعتُ به مرارًا، وكان شاعرًا تجيء في أشعاره أشياء جيدة:
أشتاق أيامَ الشبابِ وحسن ما ... فعلتْ وحقَّ لمثلها يشتاقُ
ردُّوا عليَّ من الشبابِ بقدرِ ما ... كسدَ المشيبُ فللشبابِ نفاقُ
ومن شعره:
أوانس في ليل الشباب كأنجمٍ ... ينفّرها عن صبحِ لمتهِ الوخطُ
وقالوا سلا عصرَ الشبابِ كما سلا ال ... حزينُ وظني أنهُ ما سلا قطُّ
أخذ البيت الأول من أبي العلاء المعري وقصر عنه ما شاء حيث قال:
هي قالت لما رأت شيبَ رأسي ... وأرادتْ تنفرًا وازورارا
أنا بدرٌ والصبحُ قد لاحَ في رأ ... سك والصبحُ يطردُ الأقمارا
وقد كرره أبو العلاء، ﵀، وهي غاية في معناها وتروى للمغاربة:
نزل المشيبُ بعارضيه فاعرضوا ... وتقوَّضتْ خيم الشباب فقوضوا
فكأنَّ في الليل البهيم تبسطوا ... خفرًا وفي الصبح المنير تقبضوا
ولقد رأيت وما سمعت بمثله ... بينًا غرابُ البينِ فيه أبيضُ
أبو تمام:
شابَ رأسي وما أضنُّ مشيبَ ال ... رأسِ إلاّ من فضلِ شيبِ الفؤادِ
طالَ إنكاري البياضَ وإنْ عُم ... رتُ شيئًا أنكرت لونَ السوادِ
وكذاك العيونُ في كلِّ بؤسٍ ... ونعيمٍ طلائعُ الأكبادِ
ابن التعاويذي البغدادي الشاعر المجيد الحسن الشعر، البديع المقاصد، أوحد زمانه، وشاعر أوانه، الذي يجاري الهواء رقة طبع، ويقول:
لم أقل للشباب في دعة الل ... هـ ولا حفظه غداة استقلا
زائر زارنا أقام قليلًا ... سوّد الصحفَ بالذنوبِ وولَّى
وعمل فيه ابن الفقيه المحولي:
يا هاجيًا عصرَ المشي ... ب ومادحًا عصر التصابي
لو جزت يومًا بالمحو ... ول ما ذممت سوى الشباب
ابن الرومي:
لا تلحَ منْ يبكي شبيبته ... إلاّ إذا لم تبكِها بدمِ
لسنا نراها حقَّ رؤيتها ... إلاّ زمانَ الشيبِ والهرمِ
كالشمسِ لا تبدو فضيلتُها ... حتى تُغشَّى الأرضُ بالظلمِ
ولربَّ أمرٍ لا يُبيِّنهُ ... وجدانهُ إلاّ معَ العدمِ
وأنشدني بعض الأصحاب:
قبل الشبابِ شبيبةٌ محمودةٌ ... والالتحاءُ هو المشيبُ الأولُ
يأتي السوادُ على البياضِ وبعده ... يأتي البياضُ على السوادِ فيرحلُ
ومما يأخذ بمجامع الإحسان قول البحتري:
أأخيبُ عندكِ والصبا لي شافعٌ ... وأُردُّ دونكِ والشبابُ رسولي
ابن التعاويذي:
أعائدٌ وأحاديث المنى خدعٌ ... على الغضى زمنٌ من عيشِنا سلفا
هيهاتَ أن ترجعَ الأيامُ من عمري ... شبيبةً عندكم أنفقتُها سرفا
وقال أيضًا:
فلربَّ ليلاتٍ سلفنَ لنا بها ... والقلب بالتفريق غير مروَّعِ
أيام لا ظل الصبا بمقلصٍ ... عنَّا ولا شمل الهوى بمصدعِ
أيام لهو طالما أنضيتها ... في مشهد للغانيات مجمعِ
لو كنتَ شاهدنا بها لرأيتَ ما ... يصيبكَ من مرأى هناك ومسمعِ
1 / 8