تلقَ بيضَ الأعراض سود مثا ... رِ النقع خضر الأكتاف حمر النصالِ
ومثله:
وتملك العلياء بالسعي الذي ... أغناك عن متعالي الأنسابِ
بسواد نقع واحمرار صوارمٍ ... وبياض عرض واخضرار جنابِ
والأولى أحسن نظامًا وأسلس كلامًا وأبعد عن الكلفة مستقرًّا ومقاما. وقال عزّ الدين أبو علي:
غانيةٌ في القلوب مغناها ... يشتاقها ناظري ويهواها
قريبةٌ وهي عنك نازحةٌ ... بعيدةٌ في الفوائد مأواها
غريبة في الجمال مبدعةٌ ... لو منِّيَ الحسنُ ما تعدّاها
فالغصنُ يحكي انثناء قامتها ... والدرُّ يثني على ثناياها
والخمرُ ما ودعته ريقتها ... والوردُ ما أبدعته خدّاها
فللقنا والغصون قامتها ... وفي الظبى والظباء عيناها
أصبح جسمي غداة فرقتها ... وخصرها في السقام أشباها
وكيف لا تنثني شمائلها ... سكرًا ومن ريقها حميّاها
أضمرُ في القلب سلوة فإذا ... راجعت عقلي استغفر الله
وقال من قصيدة يمدح بها المخدوم علاء الدين صاحب الديوان عزت أنصاره:
وكّلت النفس بأشجانها ... وواصلت لكن بهجرانها
غريبةُ الحسن لها مقلة ... تنبّه الوجد بوسنانها
تفعل في العشاق أجفانها ... ما تفعل الخمر بندمانها
في وجنتيها جنّة زخرفتْ ... طوبى لمن فاز برضوانها
مرّت بنا من أرضها نفحةٌ ... تروي حديث الطيب عن بانها
في طيّها نشرٌ فهمنا به ... ما نقلت عن طيب أردانها
روضة حسن أبدعت بالأسى ... فنونه تبدو بأفنانها
فثغرها يبسم عن نورها ... وقدّها يزهو كأغصانها
في فمها صهباءُ مشمولةٌ ... لا يهتدي الريّ لظمآنها
ما ضرّها لو قابلتْ حسنَ ... محيّاها بإحسانها
حازت معاني الحسن طرًّا كما ... حاز العلى صاحب ديوانها
بدر الدين يوسف الدمشقي، كهل حسن الأخلاق ظريفها وشاعر بديع المقاصد لطيفها، له شعر كالرياض تفتح زهرها وفاح رباها وتضوّع نشرها بطيب شذاها، ووجوه الغيد تروق القلوب والأبصار، وكطلعة الغنى بعد الإعسار والإقتار كلما أنشدت أجدّت مسرّة وأهدت إلى القلوب قرارًا وإلى العين قرة، تطرب الأسماع لبدائعها وتنتظم المسرة بفواصلها ومقاطعها، رأيته واجتمعت به، وكان له مهاجرة إلى إربل ومدائح في المرحوم تاج الدين، وكان واقف البديهة لا يكاد يعمل البيت الواحد إلاّ بعد الفكرة التامة والتروي البالغ فإذا أعطى الفكرة حقها والتروي غايته جاء بما يبذ به أبناء عصره ويفوق به أبناء دهره. فمن ذلك قوله من قصيدة يمدح بها المرحوم تاج الدين، ﵀:
عوجا يمين الجزع بالعيس عسى ... نريحهنَّ فالظلام قد عسا
يقول فيها وقد أجاد:
بيض وسمر كتمت حدوجها ... منها ظباءً أو غصونًا ميّسا
جفونها سلبن سقمي والكرى ... لذاك قد أضحت مراضًا نعّسا
فخذ يمين الحي بالميت الذي ... ما غادرت فيه الغواني نفسا
صبّ إذا ما نسمة الغور صبتْ ... عاوده برح الهوى فانتكسا
فداويا بنفحةِ البان جوى ... متيّم من برئه قد يئسا
وعلِّلا حشاشةً عليلةً ... قد عافها الآسي وعفّاها الأسى
وعدتماني يا خليلي بأن ... تعرّجا على النقا وتحبسا
وقلتما صبحيَ حيّ بعدهم ... لو كان حيًّا بعدهم تنفسا
قوله:
جفونها سلبن سقمي والكرى
فيه نظر لأنها إذا سلبت سقمه فقد صح، وقد أخذه من ابن القيسراني الحلبي وزاد عليه في قوله:
سلب العيونَ نعاسها ... فلذا تراه الدهر ناعس
ومثل بيت ابن القيسراني وأظنه له أيضًا:
هذا الذي سلب العشاق نومهم ... أما ترى عينه ملأى من الوسن
وقال البدر أيضًا:
أبدى حمام الأيك شجوًا فناحْ ... ولم يطق كتمانَ وجدٍ فباحْ
أعربَ عن أشجانه سحرةً ... فصاحَ عن ألحان شوقٍ فصاحْ
أليس أني قد كتمت الذي ... ما بيَ من سكرِ هوى وهو صاحْ
ومنها:
أشكو تباريحي إلى من غدا ... من طرفهِ والقدّ شاكي السلاحْ
راضيته من بعد سخطٍ به ... ورضته من بعد طول الجماحْ
1 / 48