وقد صرت فيكم مثل مجنون عامرٍ ... فلا تنكروا أني أخطُّ على الرملِ
أحسن من البيت الآخر قول القائل:
فمالي أنا المجنون فيه وشعره ... إذا مرَّ بالكثبان خطَّ على الرَّملِ
وللبغاددة مواليا:
وقد كان شكلك نقي الخدّ وسنان ... خلفك جماعة وقبضك داخل الدكان
أصبحت كوسج بلا حمرة بياضك بان ... ذي نصرة خارجة قد جاك الحيان
وقال عز الدين أبو علي:
عساه يرقّ للكلف المعنّى ... ويرحم من غدا بهواه مضنى
ويحنو بالوصال على محبّ ... قضى أيامه وجدًا وحزنا
أقام قيامتي وثنى اصطباري ... رشيق قوامهِ لما تثنّى
أيا بدرًا غدا قلبي وطرفي ... له سكنًا ومنزلةً ومغنى
يريك من اللواحظ مشرفيًا ... وإن هزَّ القوام أراك لدنا
بروضةِ وجنتيه جنيّ وردٍ ... حمته ظبى اللحاظ فليس يجنى
تخذتُ الوجدَ فنّا فيك لما ... تخذتَ الصدَّ والهجران فنّا
وقال أيضًا:
قف بنجدٍ وحيّ إن جئت نجدا ... معهدًا لم أضع لمن فيه عهدا
وتحمّل تحيّةً من محبّ ... وجد الغيّ في الصبابة رشدا
وبروحي أفدي بديع جمالٍ ... يتثنى فيخجل الغصن قدّا
يفضح البدرَ والأراكةَ والور ... دَ محيًّا ولين عطفٍ وخدّا
ليس لي عن هواه ثانٍ وقد ... أصبح في الحسن والملاحة فردا
في الثنايا العذاب منه رُضاب ... خصرٌ يكسبُ الجوانحَ وقدا
قوله:
أضرم الحسن نارَه فوق خديه
أخذه مني حيث قلت:
عاتبتني فجال ماء الحيا في ... وجنتها فزاد حرًّا ووقدا
ثم ألقت في ناره أسود الخال ... فكانت له سلامًا وبردا
وأنا أخذته من ابن عنين حيث قال من أبيات أذكرها، وهي:
خبّروها بأنه ما تصدَّى ... لسلوٍّ عنها ولو ملت صدَّا
واسألوها في زورةٍ من خيالٍ ... إنْ تكنْ لم تجدْ من الهجرِ بدَّا
عنَّفتْ طيفَها على ظنِّها أنَّ ... خيالًا منها إلينا تعدَّى
كذبتْها ظنونُها لا الكرى زا ... ر جفوني ولا الخيالُ تهدَّى
ظبيةٌ تُخجلُ الغزالةَ وجهًا ... وبهاءً وتفضحُ الغصنَ قدَّا
وأماطتْ لثامها بأسار ... يع حقوفٍ عن مستنيرٍ مفدَّى
وذكتْ نارهُ على عنبرِ الخا ... لِ فكانتْ له سلامًا ويردا
وقال عز الدين أبو علي:
يا ظبيَ أُنسٍ قدْ بدا ... عن المحبِّ نافرا
وراقدًا غادرَ جف ... ني في هواه ساهرا
يهزُّ قدًّا ذابلًا ... يحكي قضيبًا ناضرا
معتدلٌ قوامهُ ... أضحى عليَّ جائرا
قلبي كماءِ الحسنِ في خ ... ديهِ أضحى حائرا
وقد أحسن ابن منير الطرابلسي، وإن لم يذكر حيرة الماء في خديه، حيث يقول:
بحقِّ من زانَ بالدجى فلق الص ... بحِ على الرمحِ أنه قسمُ
وقال للماء قف بوجنته ... فمازجِ النارَ وهي تضطرمُ
هل قلت للطيف لا يعاودني ... بعدك أم قد وفى لك الحلمُ
والثاني أردت، وهذه أبيات في غاية الحسن والجودة وقد حاز الطرابلسي بها قصب السبق وأبرزها سوية الخلق وأنا أذكر منها ما يخطر:
أحلى الهوى ما تحلّه التهم ... باح به العاشقون أم كتموا
أغرى المحبين بالأحبة فال ... عذل كلامٌ أسماؤهُ كلمُ
بالله يا هاجري بلا سببٍ ... إلاّ لقال الوشاة أو زعموا
تتلوه الأبيات المتقدمة وبعدها:
أم قلتَ لليل طل فافرط في ال ... طاعةِ حتى إصباحه ظلمُ
يا قمرًا أصبحت ملاحته ... تنهب ألبابنا وتقتسمُ
فيك معانٍ لو أنها جمعت ... في الشمس لم يغش نورها الظلمُ
تمشي فيودي القضيب من أسف ... ويكسف البدر حين تبتسمُ
ويخجل الراح منك أربعةٌ ... خدُّ ونشرٌ وريقةٌ وفمُ
ومنها:
يا ربّ خذ لي من الوشاة إذا ... قاموا وقمنا لديك نحتكم
سعوا بنا لا سعت بهم قدم ... فلا لنا أصلحوا ولا لهمُ
ضرّوا بهجراننا وما انتفعوا ... وبددوا شملنا وما التأموا
فأينَ كان المموهون وقد ... وحّدَ قلبي هواك قبلهمُ
وقال عز الدين أبو علي:
يا أيها البدر يا من ... بالقلب والطرف حلاّ
1 / 46