حكى لنا شيخنا رضي الدين، ﵀، أنه أوصى: أن لا تظهروه إلاّ بعد موتي أو موت العلم، والأمثال والأضداد، مجلدان، حذا فيهما حذو الخالديين في كتابهما: الأشباه والنظائر من الأشعار، وكتابه، ﵀، أجمعُ. وسر الصنعة، مجلد، ومطالع الأنوار في وصف العذار، مجلد، والنظام في الجمع بين شعري المتنبي وأبي تمام، عشر مجلدات، وغير ذلك من الكتب، وقيل: إنه عمل تاريخًا ما وقفت عليه، وديوان شعره لم يظهر لأن بدر الدين صاحب الموصل استولى على كتبه وإنما في أيدي الناس من شعره قليل فمن ذلك:
أزوركم فتكاد الأرضُ تقبض بي ... ضيقًا فأرجع من فوري فيتسعُ
خدعتموني بما أبديتموه من الح ... سنى وأكثر أسباب الهوى الخدعُ
حتى إذا علقت كفي بكم ثقةً ... أسلمتموني فلا صبر ولا جزعُ
يغرني جلدي الواهي فأتبعه ... غيًّا وينصح لي شوقًا فأمتنعُ
ليت الهوى كان لا قطعًا ولا صلةً ... فلم يكن فيه لا يأس ولا طمعُ
ومن شعره:
وعيشك ما طرفي الكليل بناظر ... سواك ولا سمعي بمصغٍ لعاذلِ
ولا حلتُ عما قد عهدت وإنني ... مشوق وإن خابت لديك وسائلي
ولكنني لما سمحتَ بجفوة ... وأسعفتَ عذالي بطيب تواصلِ
صرفت هواي عنك كي لا يرى العدى ... خضوعي وتسآلي إلى غير باذلِ
وأقصرت عما قد عهدتَ وزاجرٌ ... من النفس خير من عتاب العواذل
لقد أحسن ما شاء في قوله: وزاجر من النفس خير من ... إلى آخره، وأظنه تضمينًا.
وقد أجاد ابن الحنفي الإربلي في أبيات عملها في مثل معنى البيتين الآخرين وهي:
أنس الطرفُ بالرقاد فناما ... وأطعتُ العذال واللواما
وتناسيتكم وأقصر صبّ ... لم يزل مغرمًا بكم مستهاما
هدأت مني الضلوع فما أتلفُ ... وجدًا ولا أذوبُ سقاما
وغريمي الملحّ صار سلوًا ... بعد ما كان صبوة وغراما
كم جنيتم وكم تجنيتم ظل ... مًا وأخفرتم لصبّ ذماما
وشرعتم دينًا من الغدر منسو ... خًا وأحللتم الدماء الحراما
وشفعتم بالهجر قبح ملال ... وقلًى أورث النفوسَ الحماما
فسلبتم ولايةً كم أصارت ... في يديكم لكلِّ قلبٍ زماما
ومثل هذا:
سلوت بحمد الله عنها وأصبحت ... دواعي الهوى من أرضها لا تجيبها
ولكنني داعٍ عليها وناظرٌ ... إلى نوبِ الأيام كيف تنوبها
على أنني لا شامتٌ إنْ أصابها ... بلاءٌ ولا راضٍ بواشٍ يعيبها
وقال شرف الدين رحمه الله تعالى:
أراكم فأعرضُ عنكم وبي ... من الشوق ما بعضه قاتل
وما بي ملال ولا جفوة ... ولكنني عاشق عاقل
يشبه قول القائل، ومنه أخذ:
وأحمل شدة أثقالكم ... كما يحملُ الجملُ البازلُ
وليس سكوتي عنكم رضًى ... ولكنه غضبٌ عاقلُ
وقريب من هذا، وهو في غاية الحسن، ما أنشده الإمام الناصر، قدس الله روحه، لما توفيت الخلا طبية:
من قال مفتريًا عل ... يّ سلوت كذّبه النحولُ
وجدي على ما تعهدو ... ن وإنما صبري جميلُ
ومن شعر شرف الدين، ﵀:
يا ليلة حتى الصباح سهرتُها ... قابلتُ فيها بدرَها بأخيهِ
سمح الزمان بها فكانت ليلة ... طاب العتابُ بها لمجتذبيهِ
أحييتها وأمتُّها عن كاشح ... ما همّه إلاّ الحديث يشيهِ
ومعانقي حلو الشمائل أهيف ... جمعتْ ملاحةُ كل شيءٍ فيهِ
يختال معتدلًا فإن ولع الصبا ... بقوامه متعرضًا يثنيهِ
نشوان تهجم بي عليه صبابتي ... ويردني ورعي فأستحييهِ
علقت يدي بعذاره وبخده ... هذا أقبله وذا أجنيهِ
حسدَ الصباحُ الليلَ لما ضمنا ... غيظًا ففرق بيننا داعيهِ
قوله:
ويردني ورعي فأستحيي
مأخوذ من قول السيد الرضي:
بتنا ضجيعين في ثوبي هوًى وتقًى ... يضمنا الشوقُ من فرعٍ إلى قدمِ
وباتَ بارقُ ذاكَ الثغرِ يوضحُ لي ... مواقعَ اللثمِ في داجٍ من الظلمِ
وقد أحسن أبو فراس التغلبي ما شاء في قوله:
وكم ليلةٍ خضتُ المنيةَ نحوها ... وما هدأتْ عينٌ ولا نامَ سامرُ
1 / 18