قال المؤلف رضي الله عنه: وهذه الأقوال الثلاثة ثابتة في صحيح مسلم. ورأيت لأبي جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له قولا رابعا: أنه عليه السلام توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة. ورأيت أيضا للبيهقي في كتاب دلائل النبوة أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ونصف سنة. ولا خلاف أن مبدأ نزول القرآن، بمكة وأن منه مكيا ومدنيا، وأن ترتيب سوره وآيه توقيف. وذكر أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري في كتاب الرد له على من خالف مصحف عثمان رضي الله عنه: أن الله الذي لا إله إلا هو تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن كل عيب، أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم فرق على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية جوابا لمستخبر يسأل، ويوقف جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآية، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف، فكله عن محمد خاتم النبيين عن رب العالمين. فمن أخر سورة مقدمة، أو قدم وأخر فهو كمن أفسد نظم الآيات، وغير الحروف والكلمات. ولا حجة على أهل الحق في تقديم البقرة على الأنعام، والأنعام نزلت قبل البقرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ عنه هذا الترتيب وهو كان يقول: ((ضعوا هذه السورة موضع كذا وكذا من القرآن)) وكان جبريل عليه السلام يوقفه على مكان الآيات حدثنا حسن بن الحباب حدثنا أبو هاشم حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال: آخر ما نزل من القرآن {يفتيكم في الكلالة} قال أبو بكر بن عياش: وأخطأ أبو إسحاق لأن محمد بن السايب حدثنا عن أبي السايب عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ضعها في رأس ثمانية ومائتين من البقرة. وذكر ابن وهب في جامعه قال سمعت سليمان بن بلال يقول: سمعت ربيعة يسأل لم تقدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة، وإنما نزلتا بالمدينة؟ فقال ربيعة: قد قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه وقد اجتمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه. وقال مكي رحمه الله: إن ترتيب الآيات والسور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم بذلك في أول سورة براءة تركت بلا بسملة وقال القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم: والصحيح أن البسملة لم تكتب في براءة لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها في هذه السورة.
قال المؤلف رضي الله عنه: والمعنى في ذلك والله أعلم على ما ذكره بعض العلماء، أنه كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد فأرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا في أوله بسملة، فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين نزلت بغير بسملة، وبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عاداتهم في نقض العهد من ترك البسملة والله أعلم.
مخ ۲۹