وقال ابن عباس: {مشيد} أي حصين، وقاله الكلبي، وهو مفعل بمعنى مفعول كمبيع بمعنى مبيوع، وقال الجوهري: المشيد المعمول بالشيد، والشيد (بالكسر): كل شيء طليت به الحائط من جص أو بلاط، وبالفتح المصدر تقول: شاده يشيده شيدا جصصه، والمشيد بالتشديد المطول، وقال الكسائي: المشيد للواحد من قوله تعالى: {وقصر مشيد} والمشيد للجمع من قوله تعالى: {في بروج مشيدة} [(78) سورة النساء] وفي الكلام مضمر محذوف تقديره: وقصر مشيد مثلها معطل.
يعني هل السياق يدل على أن ذم تشييد القصور، أو أن هذا وصف للواقع الذي حصل لهؤلاء أصحاب القصور المشيدة أنهم ما منعتهم هذه القصور من عذاب الله وعقابه؟ جاءت نصوص تدل على تحريم الإسراف والنهي عن التبذير لا سيما فيما يتعلق بالطين، وأن الدنيا ممر وليست بمقر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يقتضى هذا أن لا تشيد البيوت ولا تعمر القصور وعلى كل حال المسألة مسألة ممر، الذي يضع نفسه في هذا، يتصور نفسه بحال المسافر لا يمكن أن يشيد بيوت القصور، وعلى كل حال المسألة مسألة توسط في الأمور كلها، وما زاد عن الحاجة يؤاخذ عليه الإنسان، كما أنه لا ينبغي أن ينقص على حاجته فيضر بنفسه ومن تحت يده، ليس معنى هذا أن الإنسان القادر على سكن البيت أن ينزل نفسه وأولاده في طرقات الناس أو في أماكنهم العامة أو الحدائق، منهم من يسكن المقابر، لكن هذا من العجز، مثل هذا لا يلام إذا لم يجد غير هذا المكان، لكن المسألة في الزيادة على القدر قدر الحاجة، وهنا: {وقصر مشيد} [(45) سورة الحج] التنصيص عليه يدل على أن الوضع يختلف عن القصر العادي، مثل هذا الذي لا يمنع من عذاب الله ولا من عقوبته، وفيه من بذل الأموال التي لا حاجة إليها ولا داعي لها مثل هذا ما يمنع أن يكون مذموم، بل جاء ما يدل على ذمه، وفي سورة النساء: {ولو كنتم في بروج مشيدة} [(78) سورة النساء].
مخ ۶