تعبيريتوب په شعر، کيسه او تياتر کې
التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح
ژانرونه
نشأت هذه الحركة أول ما نشأت في مجال الرسم، وكانت رد فعل للمدرسة التأثيرية، وإيذانا بالتحول عن أسلوبها في الرسم والأدب إلى التعبير عن شعور عميق أو إحساس شامل يكشف عن حقيقة الإنسان بأكمله. وتكونت جماعتان من الفنانين: إحداهما في مدينة درسدن، وقد سمت نفسها جماعة «الجسر»، واشتهر من أعلامها: إميل نولده وهيكل وبششتين. والأخرى في مدينة «ميونيخ» وسميت «بالفارس الأزرق»، وعرف من أعلامها: كاندنسكي وباول كليه وفرانز مارك، الذين لا شك أنك رأيت بعض رسومهم على أغلفة المجلات أو في معارض الفن. ثم التقط النقاد الكلمة وأطلقوها على حركة أدبية قامت بها طائفة من الشباب القلق الثائر في برلين وميونيخ وبراغ، عبروا في الشعر والمسرح والقصة عن فزعهم من رعب الحرب، وإشفاقهم من زحف «التكتيك» والعلم الوضعي، ووحدتهم في زحام المدن الكبرى، وشوقهم إلى عالم إنساني جديد يتوفر فيه العدل والكرامة والمحبة والأخوة بين البشر.
بدأت الحركة التعبيرية في الفن والأدب كما قلت في أوائل هذا القرن، ولكنها لم تنته بموت أصحابها أو عزلة من لا يزال منهم على قيد الحياة. إن أصداءها ما زالت تتردد في كثير مما نقرؤه اليوم من الشعر الجديد ومسرح الطليعة، أو نسمع عنه من التيارات الثورية في الفن والحياة. ولعل من مفارقات الحياة الأدبية أن الخلف يمهدون للسلف أو يذكرون بهم على الأقل! فقد تذكرك مسرحيات «لوركا» أو «شحاده» بمسرحياتهم ، وقد تذكرك بعض أعمال الوجوديين والعبثيين والاشتراكيين الثوريين بكثير من أعمالهم التي سيأتي الحديث عنها. والواقع أن التعبيرية كانت «حركة» أدبية، ولم تكن مدرسة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. فلا يمكننا أن نقارنها بمدرسة أدبية محددة المعالم والأهداف كالمدرسة الطبيعية أو الرمزية. وليس من المستطاع كذلك أن نصدر عليها حكما واحدا يصدق على كل الأدباء الذين يمثلونها؛ إذ إن هذا ضرب من التبسيط الذي تلجأ إليه تواريخ الأدب مضطرة أو متورطة. صحيح أن هناك جوا عاما يشترك فيه هؤلاء الأدباء، ولكن لا يجب أن ينسينا هذا أن المعول في الأدب يكون دائما على العبقرية الفردية والشخصية الفردية للأديب. ويكفي أن كلمة التعبيرية تطلق في المسرح على أعمال عديدة تشغل فترة زمنية طويلة تمتد من استرندبرج السويدي إلى برشت (أو برخت!) في مرحلته الباكرة، وتضم مسرحيات متفاوتة في قيمتها وأهميتها تسري عليها جميعا صفة التعبيرية، دون أن يدل هذا بالضرورة على أنها تمثل وحدة واحدة متشابهة العناصر والأجزاء.
لقد أصبحت معظم الأعمال التي يتحدث عنها هذا الكتاب جزءا من تاريخ الأدب، وقنعت بركن منزو في رءوس الدارسين ومراجعهم أو على رفوف المكتبات. فإذا سألت هذا السؤال العسير: وماذا يبقى منهم؟ كانت الإجابة عليه أشد عسرا؛ لأنها في الحقيقة تتوقف عليك أنت! فالعمل الأدبي ينطوي دائما على عنصر الفناء والزوال الذي لا تخلو منه كل أعمال البشر. أما ما يبقى منه حيا ليتحدى المكان والزمان والفناء، ويصمد لتغير القيم والمعتقدات والآراء، فهو رهن بنظرة الأجيال المختلفة إليه، ومدى استعدادها للأخذ منه أو مدى قدرته على العطاء، ولا بد من القول بأن كثيرا من المشكلات والقضايا التي شغلت عقول التعبيريين وقلوبهم قد بليت وعفى عليها الزمن، وأن صرخاتهم المرتفعة وشكواهم النبيلة وكلماتهم وصورهم ورموزهم المتفجرة بالغضب والدموع قد تبدو اليوم - في عصرنا المتعقل الجاف - نوعا من السذاجة المضحكة أو المبكية. ولكن جوهر هذه الأعمال الأدبية أو معظمها سيظل باقيا لا يشيخ ولا يموت، وهو الدفاع عن «الإنسان» المطلق في وحدته وعريه وبراءته، وشوقه للمحبة والسعادة والسلام، والدعوة المخلصة إلى مجتمع جديد يحقق كرامته وكبرياءه، ويحميه من الذل والذبح والانكسار.
وهذا الكتيب لا يطمع في أن يقدم لك التعبيريين بصورة وافية أو شبه وافية، وإنما يكفيه أن يذكرك بروحهم النبيلة، ويبعث إليك نسمة من صدقهم النادر. إن إنتاجهم الخصب أكبر من أن يحصى، والدراسات التي كتبت عنهم لا تزال ناقصة؛ ولذلك فإن أقصى ما تطمح فيه هذه الصفحات هي أن تشير إلى الطريق، أما الطريق نفسه فلا بد أن تسير فيه بنفسك، وتكتشف أشواكه أو زهوره وحدك!
عبد الغفار مكاوي
القاهرة في نوفمبر سنة 1970
البداية
رخاء اقتصادي، تقدم مستمر في العلم والصناعة، زحف التيار الوضعي والمادي، تضخم النزعات القومية والوطنية، غرور الاستعمار ونهبه للثروات والشعوب: تلك هي بعض الظواهر التي اتسمت بها بداية القرن العشرين. غير أن الطليعة الفنية والأدبية تشككت على الفور في هذه القيم، وارتابت في معنى التقدم والتطور المزعوم، وأعلنت احتجاجها على المدنية الزائفة، وصممت أن تكشف القناع عن الطمأنينة الكاذبة التي شعر بها البرجوازي الأوروبي، لا بل انغمس فيها إلى أذنيه، وتجلت واضحة على كرشه الضخم وملبسه الفخم وكلماته الطنانة الجوفاء وشهوته إلى المال والمنفعة والغرور الذي لا يبرره عجز الإنسان وضعفه في هذا الكون.
لم يكن هذا الشك العميق بالشيء الجديد؛ فقد امتدت جذوره في التراث العقلي الأوروبي القديم والحديث. ولسنا بحاجة للرجوع إلى مدارس الشكاك عند اليونان، فيكفي أن نتذكر تمجيد بودلير للقبح والبشاعة واعتبارهما عنصرا من عناصر الجمال الفني، وثورة رامبو على أوربا ومدنيتها في شعره ونثره المتفجر كالبركان المحموم. ويكفي أيضا أن نتذكر الضجة التي أثارها نيتشه عن انهيار الأخلاق وتنبؤه بالعدمية وبدء عصر جديد وإنسانية جديدة تمجد القوة والأرض والحياة والشجاعة، واكتشاف داروين لقوانين التطور وفرويد للوعي الباطن أو اللاشعور. فإذا التفتنا للأدب والفن وجدنا ظواهر أخرى تقابلها وتستجيب لها أو تثور عليها، فهناك صيحات التعبيريين (وسنعود للكلمة بعد قليل!) وبيانات المستقبليين والسرياليين، وبشاعات الدادية وعجائبها الفنية والروحية، وغرائب التكعيبية وتطرفها في تحطيم الواقع الخارجي.
أعلنت كل هذه الظواهر الفنية في بداية القرن العشرين عن احتجاجها على المدنية التي تطرفت في استخدام الآلة إلى حد غير إنساني، ورفعت صوتها بالسخط على مجتمع التجار والنفعيين وآلهة المال وعبيده، والغضب من الظلم الاجتماعي والاضطهاد والبؤس والبطالة والحرب، نعم فقد اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى، وجاءت مآسيها وتجاربها المرة المظلمة تأكيدها لكل ما تنبأ به الضمير الأوروبي وكل ما احتج عليه الفنانون والمثقفون.
ناپیژندل شوی مخ