كتاب التعارف لابن بركة تحقيق ؟؟
- كلمة في التحقيق
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف خلق الله أجمعين ، سيدنا محمد وعلى اله وصحبه الغر الميامين إلى يوم الدين .
أما بعد :
إن لامتنا الإسلامية حضارة عريقة تمتد جذورها إلى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أسس بناء هذه الحضارة العظيمة وصحابته - رضوان الله عليهم - من بعده ، والتي قامت على القران الكريم والسنة النبوية المطهرة .
ومن ابرز مظاهر هذه الحضارة وجود تراث فكري حافل بالعلم والمعرفة في مختلف مجلاته ومواده ، فما من شك أن هذا التراث - عند أي امة - هو أغلى واثمن من أي تراث آخر ؛ لأنه منبع غذائها الروحي الذي تتغذى به والمعين الذي يجدد نشاطها ، ويحدد وجهتها في عالم الحياة المعاش .
وهو أيضا ثروة عظيمة وياقوتة غالية سهرت من اجلها العيون وكلت الأجسام واجتهدت العقول لكي تفيض بعد ذلك بحور المعرفة والعلم لينتفع بها المنتفعون .
ومن بين ركام ذلك التراث المعطاء نجد أن التراث الاباضي يقف شامخا ليؤصل بذلك جذور المذهب من مؤلفات تتعلق بالقران والسنة الذين هما من أسس الحضارة الإسلامية ، وهذا التراث كثير في مضمونه غزير في محتواه متنوع في موسوعاته وموضوعاته .
إن التراث الاباضي يزخر بثروة هائلة من الآثار العلمية والذي ما يزال مجهولا عند كثير من العلماء والدارسين الإسلاميين وغيرهم مما يستدعي ذلك بذل الجهد قي القيام بإبراز هذا التراث الإسلامي العريق وتعريف الآخرين به ، كما أن ما طبع منه - في غالب الأحيان - بعيدا عن التحقيق العلمي الرصين وكثير الأخطاء المطبعية .
وانطلاقا من هذا المبدأ قمت باختيار هذا الموضوع وهو " التحقيق والتعليق على كتاب التعارف للإمام ابن بركة " ومع أني لست أهلا لذلك فقد شاءت الأقدار بان أقوم بهذا العمل المتواضع .
وقد واجهتني أثناء عملي على هذا الكتاب صعوبات عديدة منها :
مخ ۱
1) إن كتاب " التعارف " لصغر حجمه وقلة عدد صفحاته لم تتناوله أيدي النساخ في مجلد أو كتاب منفرد عن بقية الكتب ، بل كان يلحق ببعض الكتب الأخرى ، مما أدى إلى صعوبة البحث عن نسخ من مخطوطة الكتاب ، وجعلت ابحث في بعض الكتب التي يظن انه موجود بها ، فعلى سبيل المثال : وجدت النسخة (أ) في أول كتاب الاستقامة للإمام أبي سعيد الكدمي الناعبي ضمن مجموعة من سير العلماء .
2) قلة المصادر التي تترجم للعلماء العمانيين القدامى فلم يصلنا إلا النزر اليسير من أخبارهم وأحوالهم .
وتتلخص خطة هذا التحقيق على النحو التالي :
قسمت البحث إلى قسمين :
القسم الأول : الإمام ابن بركة وكتابه " التعارف "
ويتكون من مبحثين :
المبحث الأول : التعريف بالمؤلف :
وفيه أربعة مطالب :
المطلب الأول : الحياة السياسية والعلمية بعمان قبيل عصر المؤلف وفي عصره ،
وفيه فرعان :
الفرع الأول : الحالة السياسية قبيل عصر المؤلف وفي عصره .
الفرع الثاني : الحالة العلمية في عصر المؤلف .
المطلب الثاني : نسبه وشاته .
المطلب الثالث : حياته العلمية .
المطلب الرابع : وفاته .
المبحث الثاني : التعريف بكتاب التعارف :
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : التعريف بالكتاب ومكانته العلمية .
المطلب الثاني : التعريف بموضوع الكتاب .
المطلب الثاني : منهج تحقيق الكتاب .
القسم الثاني : النص محققا
- الخاتمة
- الملاحق
- المصادر والمراجع
- الفهرس
القسم الأول
الإمام ابن بركة وكتابه التعارف
المبحث الأول
التعريف بالمؤلف
المطلب الأول
الحالة السياسية والعلمية بعمان قبيل عصر المؤلف وفي عصره
الفرع الأول
الحالة السياسية قبيل عصر المؤلف وفي عصره
- قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي :
مخ ۲
بعد الفتنة العمياء التي أصابت عمان بعد إمامة الإمام الصلت بن مالك استمرت الأوضاع السياسية الداخلية في اضطراب حتى إمامة الإمام سعيد بن عبد الله الرحيلي ، فبعد أن حكم الإمام الصلت بن مالك الذي ولي الأمر في سنة ( 237 ه) والذي استمرت فترة حكمه خمسا وثلاثين سنة سبعة اشهر وثمانية أيام (¬1) طالب موسى بن موسى ومن خرج معه الإمام الصلت بن مالك - بعد أن كبر في السن - بالاعتزال والتنحي عن الحكم ، واجتمعوا بقرية فرق ، فلما سمع الإمام الصلت باجتماعهم خرج من بيت الإمامة فبلغ ذلك موسى بن موسى ومن معه فبايعوا راشد بن النظر إماما ، وانتقلوا إلى نزوى التي هي العاصمة يومئذ (¬2) .
اختلف الناس اثر هذه الحادثة اختلافا كثيرا وأثارت ضجة كبيرة بين أهل عمان على أراء هي :
1) فمنهم من وافق موسى وراشد في رأيهم ، ورأوا أن خروجهم كان على حق (¬3) .
2) ومنهم من وقف عن الحكم في تلك الأحداث ، وسميت هذه الفرقة النزوانية ، ومن ابرز التابعين لها الإمام أبي سعيد محمد بن سعيد الكدمي الناعبي (¬4) .
3) ومنهم من ذهب إلى تخطئة موسى وراشد ومن صوبهم على فعلهم ، وسميت هذه الفرقة بالفرقة الرستاقية ، ومن ابرز رواد هذه الفرقة الإمام ابن بركة (¬5) (المؤلف) .
- الإمام عزان بن تميم الخروصي :
¬__________
(¬1) 1 سرحان الازكوي ؛ تاريخ عمان المقتبس من كشف الغمة 52 ، عبد الله السالمي ؛ تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان 1/196
(¬2) 2 سالم السيابي ؛ عمان عبر التاريخ 2/113
(¬3) 3 تحفة الأعيان مصدر سابق 1/196
(¬4) 4 عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/195 وما بعدها
مخ ۳
(¬5) 5 تحفة الأعيان مصدر سابق 1/197، عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/159 بعد أن عقد موسى بن موسى الإمامة لراشد بن النظر عام ( 273 ه) استمرت إمامته حتى عام ( 277ه) ، ثم قام موسى عليه وعزله (¬1) ، وبعد فترة قصيرة بعد إمامة راشد بن النظر بويع الإمام عزان بن تميم الخروصي عام (277ه) ، وممن بايعه موسى بن موسى وعمر بن محمد القاضي (¬2) ، فبعد أن وطد الإمام أركان دولته واستقرت الأمور عين موسى بن موسى على القضاء ثم عزله فهاج موسى لذلك وماج ، ورأى انه هو الذي اقعد عزان على كرسي الإمامة ، فخرج موسى إلى ازكي وجمع الجموع فيها لمحاربة الإمام عزان بن تميم فبادره الإمام عزان بجيش جرار بعد أن أطلق اللصوص الذين في سجن نزوى وسلحهم وخرج بهم فدارت رحى الحرب ، فقتل موسى بن موسى ، وسميت هذه المعركة ب"وقعة ازكي" (¬3) وكان النصر فيها حليف الإمام وجيشه بعد أن قتل جيش الإمام أهل ازكي وسلبوا الأموال ونهبوا البيوت واحرقوا أناسا بالنار .
¬__________
(¬1) 1 تاريخ عمان المقتبس من كشف الغمة مصدر سابق 52-53
(¬2) 3 تاريخ عمان المقتبس من كشف الغمة مصدر سابق 53 ، ابن رزيق ؛ الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين 205 ، تحفة الأعيان مصدر سابق 1/242 ، عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/172-173
مخ ۴
(¬3) 3 تحفة الأعيان مصدر سايق 2/246 خرج على إثر ذلك الفضل بن الحواري والحواري بن عبد الله وغيرهم إلى جبال الحدان واجتمعوا بتوام (¬1) وعزموا على محاربة الإمام عزان بن تميم ، فبايعوا الحواري بن عبد الله إماما وخرجوا إلى صحار بعد أن عقدوا له الإمامة بينقل (¬2) ، فوجه إليهم الإمام عزان جيشا بقيادة الأهيف بن حمحام الهنائي ، فالتقى الفريقان بصحار بموضع يقال له "القاع" ؛ ولذلك سميت هذه الوقعة ب"وقعة القاع" ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل الفضل بن الحواري والحواري بن عبد الله ، وكان النصر في هذه الوقعة حليف جيش الإمام ، قال الشيخ سالم السيابي : " فكان بينها وبين وقعة ازكي التي قتل فيها موسى بن موسى ومن معه شهر رمضان فقط " (¬3) أ.ه وكان ذلك عام ( 278ه ).
- قدوم محمد بن نور إلى عمان :
لما انتصر الإمام عزان بن تميم في وقعة القاع خرج محمد بن القاسم وبشير بن المنذر - وهما من عشيرة موسى بن موسى - إلى البحرين ، وكان بها محمد بن نور عاملا للمعتضد العباسي على البحرين وما جاورها ، فسألاه النصرة والخروج معهما إلى عمان فأشار عليهما أن يذهبا إلى الخليفة بغداد ويذكرا له أمرهما ففعلا ، واخذ محمد بن نور في جمع الجيوش للخروج إلى عمان فخرج في خمسة وعشرين ألفا (¬4) .
لما سمع أهل عمان بقدوم محمد بن نور وجيشه تفرقت آراؤهم وتشتت قلوبهم ، ففر بعضهم بأهله وماله من عمان بينما تخاذل بعضهم عن نصرة الإمام ، مما أدى إلى خروج الإمام من نزوى متوجها إلى سمد الشأن ، ووصل محمد بن نور إلى جلفار وتوام وافتتحهما وهكذا حتى وصل إلى نزوى فسلمت له .
¬__________
(¬1) 4 توام : البريمي حاليا
(¬2) 5 ينقل : إحدى ولايات منطقة الظاهرة حاليا
(¬3) 6 عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/178
مخ ۵
(¬4) 1 تاريخ عمان المقتبس من كشف الغمة مصدر سابق 55 ، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين مصدر سابق 206 ، تحفة الأعيان مصدر سابق 1/252 ، عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/181 توجه محمد بن نور إلى سمد الشأن ليلحق بالإمام عزان بن تميم فوصل ووقعت بينهما الحرب واشتد الطعن والضرب ، وقتل الإمام عزان بن تميم ووقعت الدائرة على أهل عمان ، وكان ذلك عام ( 280ه ) (¬1) .
رجع محمد بن نور إلى نزوى وواجه حروبا عديدة مع أهل عمان ، فعاث في البلاد واهلك الحرث والنسل ودفن الأنهار واحرق الكتب ، واستمرت هذه الحالة حتى رجع محمد بن نور إلى البحرين تاركا وراءه عاملا على عمان هو احمد بن هلال ، فثار أهل عمان عليه فقتلوه ، وتوالت بعد ذلك قيام الامامات الضعيفة ثم مجيء القرامطة واستيلاؤهم على عمان ، واستمر الحال هكذا حتى أوائل القرن الرابع الهجري عندما تولى الإمام سعيد بن عبد الله الرحيلي عام 320 ه تقريبا .
- الإمام سعيد بن عبد الله الرحيلي :
بعد أن نشبت الصراعات القبلية في عمان وما خلفت من إراقة للدماء وانقسام للقبائل وسريان للحمية الجاهلية اجتمع أهل الحل والعقد على نصب الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب القرشي إماما سنة 320 ه (¬2) لتبدأ الحياة تدب من جديد في عمان باستقرار وأمان .
¬__________
(¬1) 2 تاريخ عمان المقتبس من كشف الغمة مصدر سابق 56 ، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين مصدر سابق 207 ، عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/182
مخ ۶
(¬2) 1 الفتح المبين مصدر سابق 211 ، تحفة الأعيان مصدر سابق 1/275 ، عمان عبر التاريخ مصدر سابق 2/227 قال الإمام السالمي :" وسعيد بن عبد الله ممن اجمع المسلمون على ولايته وإمامته ، فلم يطعن فيه طاعن ، ولم يقدح فيه قادح في سيرته قادح" (¬1) أ.ه ، وقد كان الامام سعيد بن عبد الله عادلا ضابطا للرعية واعلم الجماعة الذين كانوا معه (¬2) وكانت له حروب مع احد سلاطين عمان ، وهو يوسف بن وجيه ، قال الامام السالمي :"ومن جملة سلاطين عمان يوسف بن وجيه ، وكان قد ملك ناحية من عمان ، وكان معاصرا للإمام سعيد بن عبد الله وكان للإمام حروب معه ، وقد انخمد أمره أيام الإمام سعيد وظهر الحق عليه ، وإنما ظهر بعد قتل الإمام " (¬3) أ.ه
وللإمام سعيد بن عبد الله كتاب إلى يوسف بن وجيه يذكر فيه له حسن سيرة المسلمين في حربه ، قال في بعضه :" ... وحاربناك محاربة المسلمين لأهل البغي حتى تفيء إلى أمر الله ... لا نستحل منك مالا ، ولا نسبي لك عيالا ، ولا ننسف لك دارا ، ولا نعقر لك نخلا ... " (¬4) أ.ه
واستشهد الإمام سعيد بن عبد الله في وقعة " مناقي " في سنة 328 هجري (¬5) فكانت مدة إمامته ثمان سنين .
- الإمام راشد بن الوليد ( 328- 342 )ه
بعد استشهاد الإمام سعيد بن عبد الله ، اجتمع أهل الحل والعقد من جديد على تولية الإمامة لراشد بن الوليد ، وكانوا قد اجتمعوا إلى بيت ينزل فيه راشد بن الوليد ، وكان المقدم فيهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي المؤثر ، وتمت البيعة واستمرت إمامته حتى عام 342 هجري ، أي كانت فترة حكمه أربعة عشر سنة (¬6) .
ثم بويع بعد ذلك لابن الإمام راشد بن الوليد الإمام حفص بن راشد ، وكانت بيعته على وجه التقريب سنة 355هجري ، واستمرت حتى سنة 363 هجري (¬7) .
الفرع الثاني
الحالة العلمية في عصر المؤلف
¬__________
(¬1) 2 تحفة الأعيان مصدر سابق 1/275
(¬2) 3 المصدر السابق
(¬3) 4 المصدر السابق 1/289
(¬4) 5 المصدر السابق 1/290
(¬5) 6 المصدر السابق 1/278
(¬6) 1 جابر السعدي ؛ القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة 11
مخ ۷
(¬7) 2 المصدر السابق لقد كان للأوضاع السياسية في عمان قبيل عصر الإمام ابن بركة تأثير كبير في المدارس الفقهية التي برزت بعمان في ذلك العصر ، فظهرت هنالك مدرستان علميتان هما :
1) المدرسة النزوانية : والتي كان الإمام أبو سعيد يتزعمها .
2) المدرسة الرستاقية : والتي كان الإمام ابن بركة يتزعمها .
وكان أساس نشؤ كلتا المدرستين هي الأحداث التي نتجت عن قضية عزل الإمام الصلت بن مالك وما لحق ذلك من تأصيل علمي دقيق لأحكام الولاية والبراءة وبعض فروع العقيدة (¬1) ، ويتمثل ذلك بينا في كتاب الاستقامة الذي دونه الإمام أبو سعيد في الانتصار لمذهب المدرسة النزوانية ، كل ذلك يدل دلالة واضحة على الثروة العلمية التي كان يحظى بها ذلك الجيل بالإضافة إلى اشتهار بعض المناطق بكونها مراكز علمية ، فقد كانت صحار آنذاك مركزا علميا هاما ، وكفى بمدرسة أبي مالك غسان بن محمد الصلاني مثالا على ذلك ؛ فقد تخرج منها الفحول الذين يحملون مشعل النور والعلم ، وكان من بين هؤلاء الإمام ابن بركة ، كما كانت بهلا هي الأخرى منارة أخرى تعج بالعلم والعلماء ، وكذلك نزوى كانت مركزا علميا تضم عددا من العلماء الفحول منهم :
1) أبو معاوية عزان بن الصقر : سكن بنزوى ، ولا زال قبره معروفا بها إلى الآن وقد كان ممن عقد الإمامة للصلت بن مالك سنة237 هجري ، وقد توفي سنة 268 هجري (¬2) .
2) أبو الحواري محمد بن الحواري : فقد نشا بنزوى أيضا ، وكان أبو المؤثر الصلت بن خميس اخص شيوخه . (¬3)
- خاتمة
¬__________
(¬1) 1 زهران المسعودي ؛ الإمام ابن بركة ودوره الفقهي 34
(¬2) 2 تحفة الأعيان مصدر سابق 1/166 ، سيف البطاشي ؛ إتحاف الأعيان 1/256 ، ناصر الفارسي ؛ نزوى عبر الأيام معالم وأعلام 80 - 81
مخ ۸
(¬3) 3 الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 33 يمكن القول بأن الأوضاع السياسية الداخلية بعمان خلال تلك الحقبة من الزمن كانت أوضاع متردية ؛ يغلب عليها طابع الأطماع السياسية ، فكان دخول ابن بور ثم قيام الامامات المستضعفة ثم حكم القرامطة إلى غير ذلك من الأحوال التي لم يكن أهل عمان يحسدون عليها .
أما الحالة العلمية فقد رأينا كيف أنها كانت مزدهرة في مختلف مناطق عمان مع ظهور بعض العلماء الذين قاموا بنشر العلم والمعرفة عن طريق تكوين المدارس الفقهية.
المطلب الثاني
نسبه ونشأته
- نسبه :
هو عبد الله بن محمد بن بركة السليمي الازدي ، من قبيلة بني سليمة بن مالك بن فهم الازدي (¬1) ، ويكنى بابي محمد عند الإطلاق في كتب المتقدمين ، أما كنايته بابن بركة فتكثر في كتب المتأخرين دون المتقدمين من علماء المذهب الاباضي (¬2) ، سكن بلدة " الضرح " من ولاية بهلا ، وذكر بعض الباحثين أن منزله وآثاره باقية معروفة إلى الآن (¬3) .
- ولادته :
لم يذكر - حسب إطلاعي - في الأثر تاريخا محددا لولادة المؤلف ، ولا قطع به احد المؤرخين ، لكن بعض الباحثين حصر أن تكون ولادته قد وقعت في أواخر القرن الثالث الهجري (¬4) .
وقد استدلوا بأدلة منها :
¬__________
(¬1) 1 خميس الشقصي ؛ منهج الطالبين وبلاغ الراغبين 1/623 ، إتحاف الأعيان مصدر سابق 1/295 ، القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 20 ، الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 37 ، احمد السيابي ؛ الإمام ابن بركة حياته وفكره ومدرسته (قراءات في فكر ابن بركة ) 10 ، مبارك الراشدي ؛ ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) 97 .
(¬2) 2 الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 37 ، ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 97
(¬3) 3 إتحاف الأعيان مصدر سابق 1/295
مخ ۹
(¬4) 4 القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 20 ، الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 39 1) أن المؤلف كان يناظر الإمام سعيد بن عبد الله الذي بويع بالإمامة سنة 320ه وتوفي سنة 328ه في بعض المسائل ، وهذا يقتضي أن يكون المؤلف قد تجاوز العشرين عاما ؛ لأنه يكون قد بلغ مبلغا من العلم أهله لذلك (¬1) .
2) كان الشيخ أبو مالك - شيخ المؤلف - من العلماء المرموقين ، ومع ذلك لم يؤثر عنه أي مشاركة في بيعة الإمام سعيد بن عبد الله ، وهذا يؤدي إلى غلبة الظن بان الشيخ أبا مالك كان قد توفي في ذلك الوقت ، فإذا قدرت وفاته سنة 319ه وافترض أن المؤلف قد بدأ بتلقي العلم على يد شيخه سنة 314 ه حتى سنة 319ه ، فمن المتوقع أن يكون قد رحل أليه ما بين سن الرابعة عشرة والثامنة عشرة فتكون ولادته بين سنة 296 و 300ه (¬2) .
3) تذكر بعض المصادر أن الإمام أبا سعيد قد عمل في السجون للإمام سعيد بن عبد الله ، وأبو سعيد هذا من أقران المؤلف ومعاصريه فإذا ثبت أن أبا سعيد قد عمل في حراسة السجون وقد ناهز الحلم ، فان عمره يكون حينئذ في حدود الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة فتكون ولادة الإمام أبو سعيد بين عامي298 و300 ه ، وعليه فيكون المؤلف قد ولد سنة 300 ه أو قبلها بقليل .
بينما ذهب آخرون إلى انه ولد في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الثالث (¬3) ولم أقف على أدلة لهذا الرأي ، أما الباحث فيرى أن ما ذهب إليه الفريق الأول هو اقرب التقديرات من خلال معرفة الظروف الاجتماعية لعمان بشكل عام وللمؤلف بشكل خاص ، كما أن هذا الأمر مبني على الظن والتقدير .
- نشأته :
¬__________
(¬1) 1 القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 20 ، الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 39
(¬2) 2 الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 40
مخ ۱۰
(¬3) 3 ذهب إلى هذا من الباحثين المعاصرين الشيخ احمد بن سعود السيابي . [ الإمام ابن بركة حياته وفكره ومدرسته ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 10 ] اختلف المؤرخون والباحثون في مكان نشأة المؤلف على فريقين : فذهب فريق إلى انه ولد وعاش في بداية عهده بصحار ثم انتقل إلى بهلا في مرحلة متقدمة من عمره (¬1) ، واستدلوا بأدلة منها :
1) أن شيوخه الذين تلقى عنهم العلم والدرس إنما هم من صحار أمثال الشيخ أبي ملك ، إذ ليس من المألوف إن لم يكن من المعقول أن يرحل المؤلف من بهلا إلى صحار و بهلا حينئذ تزخر وتزدهر بالعلماء .
2) الاضطراب السياسي الذي كانت تعيشه عمان آنذاك ، فليس ببعيد أن تكون تلك الأوضاع دافعا قويا وسببا مباشرا لأن يترك المؤلف منطقة الساحل ويتخذ من بهلا وطنا له (¬2) .
وذهب فريق آخر إلى انه نشأ أولا في بهلا ثم سافر إلى صحار (¬3) ، ولم أقف على أدلة لذلك سوى ما عرف عنه من بعض المصادر أن موطنه كان ببهلا وبالتحديد منطقة الجوف .
وأنت ترى أن الاختلاف في مكان نشأة المؤلف إنما منشؤه عدم وجود مصادر تتحفنا بذلك ، والكلام والأدلة التي تدور حول ذلك إنما هي مبنية على الظن ، ويرى الباحث أن قول الفريق الأول اقرب إلى الصواب للأدلة لما أورده أصحاب الفريق الأول من أدلة .
المطلب الثالث
حياته العلمية
- بداية طلبه للعلم :
¬__________
(¬1) 1 ممن ذهب إلى هذا الرأي من الباحثين المعاصرين الشيخ احمد بن سعود السيابي ، وتبعه إلى ذلك الدكتور مبارك بن عبد الله الراشدي . [ الإمام ابن بركة حياته وفكره ومدرسته ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 12- 13 ، ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 99 ]
(¬2) 2 المصدر السابق 12 ، 13
مخ ۱۱
(¬3) 3 وممن ذهب إلى ذلك : الدكتور جابر بن علي السعدي والشيخ زهران بن خميس المسعودي . [ القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 24 ، الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 41 ] رحل المؤلف في طلب العلم منذ صباه وجد واجتهد في تحصيله حتى أصبح يشار إليه بالبنان ، ولم أجد - من خلال المصادر التي اطلعت عليها - إشارة إلى الزمان أو المكان الذين بدأ منهما المؤلف رحلته في طلب العلم .
بعد أن بلغ المؤلف مرحلة الفتوة لازم شيخه أبا مالك غسان بن محمد بن الخضر ، فكان أخص شيوخه (¬1) ، وذكر في الأثر أن الشيخ أبا مالك كان يدافع تلميذه ابن بركة ويعرض عنه امتحانا له واستكشافا لرغبته في طلب العلم فكان الإمام ابن بركة - رغم ذلك - لا يزيد إلا إقبالا على شيخه ، فلما تحقق الشيخ من رغبته في طلب العلم اقبل عليه وعلمه وأكرمه (¬2) .
- شيوخه :
- أبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني الصحاري : وهو اكبر شيوخه ، وكثرهم عنده إشادة وذكرا (¬3) ، وهو من علماء النصف الأخير من القرن الثالث الهجري ، كان يقطن وادي صلان بصحار واليه تنسب " الصلاني" .
قال المؤلف في آخر كتاب التقييد :" هذا الذي ضمنته هذا الكتاب مسائل كنت قد قيدتها عن شيخنا أبي مالك غسان بن محمد بن الخضر رضي الله عنه " (¬4) .
من شيوخه الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن محبوب وأخيه أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب (¬5) .
¬__________
(¬1) 1 إتحاف الأعيان مصدر سابق 1/295 ، القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 24 ، الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 47
(¬2) 2 جميل السعدي ؛ قاموس الشريعة 1/74 ، 75
(¬3) 3 سيرة ابن مداد ؛ محمد بن مداد 24 ، ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 108 ، 110
(¬4) 4 ابن بركة ؛ التقييد ( مخ ) ورقة 430
مخ ۱۲
(¬5) 5 القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة مصدر سابق 25 - 26 - أبو مروان سليمان بن محمد بن حبيب : وهو من علماء النصف الثاني من القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، من شيوخه : بشير وعبد الله ابني محمد بن محبوب (¬1) ، وقد نقل المؤلف في كتابه التقييد أجوبة عدة مسائل عنه (¬2) ، ولم أقف على تاريخ لوفاته .
- أبو يحيى عبد العزيز بن خالد : من علماء النصف الأخير من القرن الثالث (¬3) ، ولم أقف على ترجمة له ، وقد ذكر المؤلف له مسائل في كتابه التقييد (¬4) .
- أبو الحسن محمد بن الحسن السعالي النزوي : ذكره بعض الباحثين المعاصرين ، واستدل بأنه من شيوخ الإمام ابن بركة بأدلة (¬5) ، غير انه مما تجدر إليه الإشارة أن هذا العالم الجليل هو من شيوخ الإمام أبي سعيد كما تجد ذلك صريحا في كتاب الاستقامة (¬6) .
- تلاميذه :
لقد أسس الإمام ابن بركة مدرسة علمية في منطقة " الضرح " ببهلا ، ووفد إليها طلبة العلم من كل حدب وصوب ، وأشتهر علمه شرقا وغربا ، فكان لابد من أن يحمل رسالة التدريس ، وقصد هذه المدرسة طلبة العلم من أنحاء القطر العماني ومن بلدان المغرب العربي (¬7) .
ومن هؤلاء التلاميذ :
- أبو الحسن علي بن محمد البسيوي : من قرية "بسيه" من أعمال بهلا ، وكان أبو الحسن من أشهر تلامذة المؤلف وكان يعرف بالأصم ؛ لأنه كان أصم ثقيل السمع ، من مؤلفاته : جامع البسيوي (¬8) ، وسيرة تنسب إليه (¬9) .
¬__________
(¬1) 1 سيرة ابن مداد مصدر سابق 24
(¬2) 2 التقييد مصدر سابق ورقة ، 426
(¬3) 3 القواعد الأصولية عند الإمام ابن بركة 28
(¬4) 4 التقييد مصدر سابق 328
(¬5) 5 الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 51
(¬6) 6 أبو سعيد الكدمي ؛ الاستقامة 1/223
(¬7) 7 الإمام ابن بركة حباته وفكره ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 19
(¬8) 8 الإمام السالمي ؛ اللمعة المرضية 27
مخ ۱۳
(¬9) 9 مجموعة علماء ؛ السير والجوابات 2/124 - 222 - أبو عبد الله محمد بن زاهر : لم أقف على ترجمة إلا أن له مسائل عرضها على شيخه الإمام أبن بركة وقيدها عنه (¬1) .
- صفاته ومكانته العلمية :
لم تكن معارف المؤلف الفقهية تنحصر في إطار مذهبه فحسب ، وإنما كان عالما عالميا اطلع على المذاهب الإسلامية الأخرى ، وعرف أقوال علمائها ومحصها تمحيصا ، كما كان أيضا واسع المعرف باللغة ، وهذا كله جعله محققا ومدققا في علم أصول الفقه ، فهو أول عالم من علماء عمان يتحدث حول بعض القضايا الأصولية (¬2) ، كما كان صلبا لا يتنازل عن رأيه إذا كان لديه الدليل ، ونجد ذلك كثيرا في مؤلفاته كالجامع والتعارف وغيرها (¬3) ، فقال في كتابه الجامع :" ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء ومسامحة الآراء وتقليد الآباء ، وإياه نسال أن يجعلنا من المتبعين لكتابه ، الذابين عن دينه ، والقائمين بسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - " (¬4) .
كان المؤلف رجل واسع الثراء كثير المال ينفق من ماله على الوافدين ، وقد أنشأ مدرسته المشهورة ببهلا كما بنى مساجد عدة في بلدته (¬5) .
- أثاره العلمية :
لقد ترك لنا المؤلف اثأر قيمة نفيسة لاسيما في الفقه وأصوله فكان مما ألف :
- كتاب الجامع : وهو أهم إنتاج علمي وصل إلينا للمؤلف فقد حرر فيه المسائل وافرغ فيه عصارة فكره واشبع معظم مسائله بحثا وتدقيقا (¬6) ، وقد تعارف الفقهاء في كتبهم على أن يطلقوا اسم " الكتاب " على جامع ابن بركة فإذا قالوا : ومن الكتاب فيقصدون بذلك هذا الجامع .
صدر المؤلف كتابه هذا بمقدمة أصولية بين فيها أهمية علم أصول الفقه .
¬__________
(¬1) 10 التقييد مصدر سابق ورقة 377
(¬2) 1 احمد الخليلي ؛ ابن بركة والبحث العلمي ( محاضرة مطبوعة ضمن كتاب قراءات في فكر ابن بركة ) 24 ،
(¬3) 2 ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 101
(¬4) 3 ابن بركة ؛ الجامع 1/25
(¬5) 4 الإمام ابن بركة ودوره الفقهي مصدر سابق 58
مخ ۱۴
(¬6) 5 المصدر السابق 66 - كتاب التقييد : هو كتاب جمع فيه الإمام ابن بركة ما قيده من الأجوبة على المسائل التي كان يتوجه بها إلى شيوخه أو أجوبة المسائل التي كان يتوجه بها غيره من الطلبة أو العامة ، وكان أكثر ما قيد فيه عن شيخه أبي مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني ، وهذا الكتاب يقع ضمن مخطوطة تجمع بعض الأجوبة عن بعض العلماء بمكتبة الإمام السالمي بولاية بدية - وهي النسخة الوحيدة حسب إطلاعي - وأما وصف المخطوطة فهي قديمة ومتآكلة وخطها واضح لكنها معيبة بنقصان فيها وعدم ترتيب ويؤكد ذلك ما ذكره الناسخ لها أن نسخه للكتاب كان من أخرى منقطعة من أولها ووسطها (¬1) .
- كتاب التعارف : وهو الذي بصدد تحقيقه الآن ، وسأفرد له مبحثا خاصا إن شاء الله .
- كتاب الموازنة : عبارة عن رد على سؤال أتاه من احد تلامذته في قضية عزل الإمام الصلت بن مالك ، والكتاب مطبوع ضمن كتاب السير والجوابات (¬2) .
- كتاب المبتدأ : رسالة فيها بيان ما يجب على المكلف عند بلوغه الحلم ، وقد ورد بأسلوب تعليمي على هيئة سؤال وجواب (¬3) .
- سيرة تنسب إليه : موجودة ضمن مخطوطة تحتوي على مجموعة من الكتب والسير التاريخية لبعض العلماء بمكتبة السيد محمد بن احمد تحت رقم 1358 وتبتدئ هذه السيرة من صفحة 279 .
«
- [ مقدمة المؤلف] (¬4)
وبه نستعين (¬5) . الحمد لله بجميع محامده ، والثناء عليه بما هو أهله ، ( وصلى الله) (¬6) على رسوله المصطفى من خلقه ، وعلى آله وسلم .
وبعد (¬7) :
¬__________
(¬1) 1 التقييد مصدر سابق 3- 316 ، ابن بركة وكتابه التقييد ( قراءات في فكر ابن بركة ) مصدر سابق 111
(¬2) 2 ...................................
(¬3) 3 التقييد مصدر سابق 99 إلى 106
(¬4) 1 ما بين المعقوفتين من زيادة المحقق وهكذا في سائر هذا البحث إلا ما أشير إليه .
(¬5) 2 - ب
(¬6) 3 ب : والصلاة
مخ ۱۵
(¬7) 4 - ب وصل كتابك تذكر فيه ما ضاق ( به صدرك) (¬1) من الشكوك المعترضة عليك في نفسك ومالك ، والوساوس (¬2) الداخلة عليك في أمر (¬3) دنياك وآخرتك، حتى قد خفت أن يصير حلالك عليك لأجله حراما ، وإن بناحيتك من يقوي ذلك في نفسك ، ويثقل عليك من أمر (¬4) البيوع والمعاملات ، والأخذ والعطاء ، وإن الشيء الذي يكون حراما على غير مالكه ، لا يصير حلالا إلا بإطلاق اللفظ به من صاحبه بهبة أو إقرار ، وبما يوجبه الحكم بالبينة العادلة ، وإن اليقين لا يزيل (¬5) حكمه إلا بيقين مثله ، وإنما سوى ذلك لا يكون إلا ظنا وشكا.
وإن الفرائض والأموال وسائر الحقوق لا تزول (¬6) بالشك والظن ، وإنك أحببت أن أرسم لك فيما بليت به شيئا يؤدي إلى تسكين الدواعي التي في قلبك ؛ لتحتمي به ( من الشيطان وحزبه) (¬7) ، من رخص المسلمين وآثارهم مما (¬8) فيه سلامة لمن أخذ به .
وأنا مسعفك إلى مطلبك ، ومجيبك إلى مسألتك ، متقربا إلى الله فيك بذلك ، وبالله أستعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
- [ يسر الدين ]
¬__________
(¬1) 5 ب : صدرك به
(¬2) 6 ب : و الوسواس والوساوس
(¬3) 7 - ب
(¬4) 8 - ب
(¬5) 9 كذا في الأصل و ب ، ولعل الصواب يزول
(¬6) 10 ب : يزول
(¬7) 11 أ : عن الشيطان لعند الله وحزبه
مخ ۱۶
(¬8) 12 ب : فيما فأول ذلك : فإني أعلمك أن - الله تبارك وتعالى - يسر هذا الدين على عباده ، وسهله عليهم ، ولم يكلفهم شططا من أمره ، ولم يقطع عذرهم إلا بعد أن أمكنهم من جميع ما يحتاجون إليه ، ولم يضيق عليهم في شئ من ذلك ؛ لقوله تبارك وتعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } (¬1) يعني : من ضيق ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" بعثت بالحنيفية السهلة" (¬2) ، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - (¬3) أنه قال : " إن هذا الدين متين ، ( فأوغل فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك ) (¬4) عبادة الله ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى " (¬5) يعني بذلك - والله أعلم - أنه يقطع مطيته (¬6) قبل أن يبلغ مراده من حاجته .
¬__________
(¬1) 1 الحج / 87
(¬2) 2 رواه أحمد بن حنبل من طريق أبي أمامة (22291) مع زيادة في اللفظ وهي : " إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة " ، ورواه أيضا من طريق عائشة - رضي الله عنها - (24855) ولفظه : " إني أرسلت بحنيفية سمحة " ، ورواه أيضا من طريق ابن عباس (2107) ولفظه :" قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال الحنيفية السمحة " ، ولم أعثر على رواية فيها كلمة " السهلة " ، ولعله روى الحديث بالمعنى .
(¬3) 3 ب : صلى الله عليه
(¬4) 4 أ : " فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم ..."
(¬5) 5 رواه احمد بن حنبل (13052) من طريق انس بن مالك مختصرا ، ورواه البيهقي 3/19 في السنن الكبرى من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص ، واللفظ له .
(¬6) 6 المطية : الناقة التي يركب مطاها أو البعير يمتطى ظهره ، جمعه : مطايا ، والتعبير هنا مجازي كناية عن ان الرجل يتعب وينهك دابته التي ركب عليها قبل ان يبلغ مراده من حاجته . [ ابن منظور ؛ لسان العرب 13/135] - [ أهمية علم أصول الفقه ]
مخ ۱۷
فالواجب على من أنعم الله عليه بالإسلام ، وخصه بشريعة الإيمان ، أن يبدأ بتعليم الأصول قبل الفروع ، وأن يثبت قواعد البنيان قبل أن يرفع شواهق الأركان ، ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يبني عليها (¬1) الفروع ، ومن لم يعرف حقيقة الأصول ، كان حريا أن تخفى عليه أحكام الفروع .
- [ أنواع العلوم ]
فالواجب على من أتاه الله حاسة (¬2) العقل ، وقطع بها عذره ، أن يناصح بها نفسه فيما كلفه من حاجة نفسه ، ومكنه من الأسباب المؤدية إلى درك ما ندب إليه ، وخص به ؛ لأن أسباب العلوم ودليل البيان (¬3) موقوفة على العقول ، ومعلومة بها دون غيرها ، فبزوالها يزول عنه الخطاب ، ويسقط عنه العقاب (¬4) ، ويجب بصحته الثواب (¬5) .
فجميع المعلومات تستدرك (¬6) بها ، وهي على ضربين ، وتنقسم قسمين:
أحدها : يدرك بالحواس والمشاهدة ، وهو أصل العلوم (¬7) ، وأوائل الأدلة (دلائل قلبه) (¬8) ، ولا دليل قبله ، ولا علم يتقدمه ، ولا يقع (¬9) فيه الاختلاف إلا بما يعلم بأحد الحواس كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس ، يستوي في معرفته كل من كانت له حاسة ، وصحت فيه مشاهدة ، وهذا الضرب يقع العلم به ضرورة ، ويعرف المعلوم منه بالحقيقة ، وعليه يصح البناء ، وعنه تتفرع الفروع .
¬__________
(¬1) 7 ب : عليه
(¬2) 1 ب : حاصة ، وفي الحاشية : حاسة
(¬3) 2 ب : ودلائل البنيان
(¬4) 3 ب : العتاب
(¬5) 4 ب : الثواب والعقاب
(¬6) 5 ب : يستدرك ، والمقصود هنا العقول .
(¬7) 6 وهو ما يسمى أيضا بالعلم الضروري ، قال الإمام السالمي : " وأما الضروري منهما فهو ما لا يحتاج إلى طلب أصلا كإدراك القضايا الأوليات ، وهي ما يدركها العقل من أول مرة كقولنا : الكل أعظم من الجزء ، والواحد نصف الاثنين . [ عبد الله السالمي ؛ مشارق أنوار العقول 61 ]
(¬8) 7 - أ
مخ ۱۸
(¬9) 8 أ : يقطع الضرب (¬1) الثاني من العلم : هو علم الدلائل المستنبط بالعقول ، ويستدرك معناه بالبحث والنظر وبدليل العبرة (¬2) ، وفي هذا يقع الاختلاف والتنازع لكثرة فروعه، وغموض أدلته ودقة معانيه ، وفيه يميز (¬3) فضل العلماء بما فضلهم الله به من (¬4) الذكاء والفطنة ، وجودة الرأي وحسن الطلب ، لاستخراج أحكام الله تعالى ، وحجج الله التي تعرف بها أحكام الكتاب والسنة واتفاق الأمة وحجة العقل ،
وقال الله جل (¬5) ذكره : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } (¬6) ، فالمحكم يعرفه السامع ، والمتشابه يفكر (¬7) فيه العالم ؛ لأن في القران العموم والخصوص (¬8) ، والمجمل والمفسر، والتصريح والكناية .
قال الله تبارك وتعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } (¬9) فأوجب (¬10) التذكرة والاعتبار ، وخص بذلك أولي الإبصار ، فاعتبر أهل البصائر والمعرفة بأحكام الله ، واستخراج أحكام كتابه بما أمرهم به ، وندبهم إليه ، واجتهدوا وقاسوا النظير بالنظير على حكمه في الجملة، والمنصوص عليه بعينه بالعلل الجامعة ، بينها بما دلهم الله تعالى عليه بقوله : { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } (¬11) اعتبروا واتعظوا واعلموا أن من فعل مثل فعلهم أحللت به من العقوبة مثل ما أحللتها بهم .
- [ التعبد بالظاهر واليقين ]
¬__________
(¬1) 9 ب : والضرب
(¬2) 10 ويسمى أيضا : العلم النظري أو الكسبي ، قال الإمام السالمي : " هو ما يحتاج تحصيله إلى طلب وهو أنواع . [ عبد الله السالمي ؛ مشارق أنوار العقول 61 ]
(¬3) 11 ب : تمييز
(¬4) 12 - أ
(¬5) 1 ب : تعالى جل
(¬6) 2 آل عمران / 7
(¬7) 3 ب : يكفر
(¬8) 4 ب : المعلوم والمخصوص
(¬9) 5 ص / 29
(¬10) 6 ب : فأوجب الله
مخ ۱۹
(¬11) 7 الحشر / 2 ولهذا نظائر في القران كثيرة ، ولكن أردت أن ألوح لك من كل شيء معنى يدلك على بغيتك ( إن شاء ) (¬1) الله ، وإن الذي غلط عليك في الفتوى التي (¬2) ذكرت ، ليس الأمر كذلك، وإن اليقين الذي تعبدنا به هو ما عندنا ؛ لأن ما عند الله من اليقين لا يبلغه علمنا ، الدليل على أن الله تعالى (¬3) تعبدنا بما هو يقين عندنا مما نعلم (¬4) ، والظاهر من الأمور ،
ونستدل (¬5) على معرفتها ، ونخرج (¬6) من العبادة دون أن نعلم (¬7) حقيقته عند (¬8) الله ، ما تعبدنا بإباحة الفروج والدماء والأموال ، التي عظم حرمتها ، وتوعد عليها بأليم العذاب (¬9) بالعدول (¬10) من البينة دون غيرهم من الفساق ، فعلينا طلب العدالة بظاهر أمورهم ، وما هو يقين عندنا بما تسكن إليهم نفوسنا ، وتطمئن به قلوبنا ؛ لأن الله - جل ذكره - لا يجوز أن يفترض علينا الحكم بالبينة العادلة عنده ؛ لأن ( الله يعلم سرهم وجهرهم ) (¬11) ، إلا أن ينصب ( لهم علما ) (¬12) يعرفون به كالسماء بين أعينهم .
ولعل جميع ما تعبد الله به عباده من طريق الشريعة أن ما أخذ عليهم أن يخرجوا منه بما هو يقين عندهم ، بما يستدلون على معرفته بالعادة الجارية ، والأحوال الظاهرة لا بما تعلم (¬13) حقيقته إنما يقع بالحس والمشاهدة ، وبما (¬14) يعلم بالاستدلال لا يوصل إلى معرفته إلا بظاهر الحال .
- [ أمثلة للتعبد بحكم بالظاهر ]
- [ أولا :طهارة الثوب في الصلاة ]
¬__________
(¬1) 8 أ : إنشاء
(¬2) 9 أ : الذي
(¬3) 10 - ب
(¬4) 11 ب : يعلم
(¬5) 1 ب : ويستدل
(¬6) 2 ب : ويخرج
(¬7) 3 ب : يعلم
(¬8) 4 أ : عبد
(¬9) 5 ب : العقاب
(¬10) 6 أي : الشهود العدول .
(¬11) 7 ب : ذلك عالم بسرهم وباطنهم
(¬12) 8 ب : لنا علماء
(¬13) 9 ب : يعلم
مخ ۲۰