خواړه په پخواني نړۍ کې
الطعام في العالم القديم
ژانرونه
يتناول جالينوس وأثينايوس كذلك سمات ثقافية عامة في مناقشاتهما عن الأطعمة؛ إذ ظهر طلب على المزيد من الأطعمة، وكذلك على الأطعمة الجديدة الواردة من خارج البلاد؛ وظهرت طرق جديدة لإعداد هذه الأطعمة ولإعداد الأطعمة المعروفة أيضا. وكانت هذه الأطعمة الجديدة وطرق إعدادها - فضلا عما بها من متعة ورقي - محل منافسة فيما بين الطبقات الراقية في المدن. وعلى عكس هذه العوامل الملحة الداعية إلى التجديد، كثيرا ما كان البعض أيضا يفصح عن تفضيل الأطعمة البسيطة المعتمدة على الزراعة المحلية، وذلك كما ذكر آنفا عند الحديث عن أوفيد. والكاتب المتخصص في الشئون التقنية ليس حصينا من هذه الافتراضات الثقافية؛ فعلى سبيل المثال، يوضح جالينوس الفارق بينه وبين الطهاة في كتابه «عن قوى الأطعمة» (2، 51)، قائلا: «نحن الأطباء نهدف من الأطعمة إلى الفوائد النابعة منها، وليس المتعة. ولكن ما دام الطعم غير المستساغ لبعض الأطعمة يؤدي إلى حد كبير إلى سوء الهضم، فمن الأفضل في هذا الشأن أن تصبح طيبة المذاق إلى حد ما. ولكن يرى الطهاة أن المذاق الطيب غالبا ما يتحقق باستخدام البهارات الضارة، وهكذا يتلازم مع تلك البهارات سوء الهضم بدلا من الهضم الجيد» (ترجمه إلى الإنجليزية: باول). وسنرى في الفصل السابع أن ما قاله جالينوس يذكرنا بالفارق المؤثر الذي وضعه أفلاطون قبل ذلك بستمائة عام بين الطبيب المفيد والطاهي ذي المظهر البراق. ولكن الطبيب والطاهي ليسا طرفي نقيض؛ فالطاهي يهدف أساسا إلى إسعاد الذائقة، ومع ذلك ليس بوسع الطبيب أن يتجاهل إسعاد الأذواق، ما دام الطعام غير المستساغ عادة ما يكون ضارا بالجهاز الهضمي.
تلتقي اهتمامات المؤلفين في رغبتهما في التسمية والتعريف والتصنيف، وينطبق هذا على المصطلحات: ما النبات الذي يشير إليه المصطلح س؟ ما المصطلح اللاتيني المكافئ له؟ هل تغير الاسم على مدى القرون؟ متى بدأ استخدام المصطلح؟ وبذل كل من المؤلفين قصارى جهده لاكتشاف ما كتبه الخبراء السابقون عن طعام ما، واكتشفا في النهاية وجود حالات خلط في التسمية واستخدام المصطلحات. ويمكننا أن نضرب مثلا بما ذكره أثينايوس عن الكرز (كيرازيا). ويستشهد بعدة شخصيات إغريقية موثوق فيها، من بينهم ثيوفراستوس والعالم النحوي البيثاني أسكليبيديس من ميرليا. يعارض لارنسيس - المضيف - الرأي القائل بأن الجنرال الروماني لوكولوس كان أول من يستورد هذه الشجرة إلى إيطاليا من مدينة كيراسوس في بنطس. ويتذكر متحدث آخر أن المؤلف المتخصص في الشئون الطبية ديفيليوس من سيفنوس ذكر الكرز في أحد الأعمال الصادرة في القرن الثالث قبل الميلاد.
يبدو هذا لأول وهلة على أنه خلاف متحذلق قائم على استعراض المعلومات، تتفوق فيه الادعاءات الإغريقية والرومانية على الأولوية التاريخية. يستشهد أثينايوس بمصادره، مما يتيح لنا أن نضع تواريخ على المعلومات. وفي أواخر القرن الرابع، وصف ثيوفراستوس نباتا بشيء من التفصيل، يسميه أثينايوس الكرز، ويسمي محرر كتاب أثينايوس - تشارلز جوليك - النبات الذي وصفه ثيوفراستوس بأنه توت الزعرور البري. والمصدر الموثوق فيه التالي الذي استشهد به أثينايوس - وهو أسكليبيديس من ميرليا في بيثنيا - يصف شجرة قطلب وذلك في رأي أثينايوس. وكان يكتب في القرن الأول قبل الميلاد، في الفترة نفسها تقريبا التي شهدت الحملات العسكرية التي شنها الجنرال الروماني لوكولوس في منطقة بنطس (البحر الأسود). وكان ديفيليوس من سيفنوس - وهو المصدر الموثوق فيه الأخير - يكتب في قصر ليسيماخوس في غربي آسيا الصغرى في القرن الثالث قبل الميلاد. وهكذا لدينا تواريخ تدعم الدليل، ولدينا كذلك الموقع. يصف ثيوفراستوس شجيرة ربما يكون موقعها في إقليم أتيكا، وربما لا تكون شجيرة الكرز. كان هناك في عصر ديفيليوس نوع من الكرز الأصلي من بنطس في ميليتوس. ولكن هل هي شجيرة كرز فعلا؟ يصف أسكليبيديس بوضوح نوعا مختلفا، موجودا في بيثانيا. ولوكولوس هو المسئول عن الانتقال الكبير للكرز من منطقة بنطس إلى إيطاليا وروما. وتشهد هذه الفقرة على الاهتمام بالكرز وعلى وجود نقاش ظل يدور حول الكرز على مدى عدة قرون، ولكنه في حد ذاته يطرح الكثير من المشاكل بعدد المشاكل التي يحلها؛ فليس من الواضح أي نوع بالتحديد هو الذي يوصف في كل نص، وليس من الواضح كذلك أي نبات (نباتات) هو الذي يصفه المصطلح «كيراسوس» والأنواع القريبة منه بدقة. فضلا عن ذلك، قد يتغير المصطلح من مدينة لأخرى. وآنذاك، ربما كانت تسمية الأطعمة مسألة خاضعة للاختلاف بين منطقة وأخرى، والمطالبات الأيديولوجية، والعوامل الملحة الأيديولوجية كالتي يعبر عنها لارنسيس؛ وهذه العوامل لا تساعد على الدقة العلمية. يوضح هذا المثال اتساع رقعة العالم القديم بكل ما فيه من آلاف المدن على مدى قرون طويلة؛ فكيف لنا أن نفهم أي لمحة من جوهره؟ لا يتسنى ذلك إلا بتناول شامل مدعوم بأمثلة محددة، ولكن منهج أثينايوس - الذي يقوم على الجمع بين عدد من النصوص - يفيدنا باعتباره مبدأ عاما. متى يكتسب الطعام مكانة راسخة؟ ما الأمور التي تؤخذ كأدلة؟ من الذي يطرح الأسئلة؟
وهكذا يتشاجر كل من لارنسيس ودافنيوس حول هذا الأمر حتى يتبين أن أحدهما على صواب. ما الذي يمكن أن نفعله بدورنا إذا تأملنا - مثلا - الطيور الداجنة؛ أي الدجاج؟ يمكننا أن نلجأ إلى علم الآثار وبقايا الحيوانات، ويمكننا فحص النصوص، ولكن النصوص تمنحنا أدلة مبهمة للغاية؛ فمن الأسلم ألا نعلن موقفنا بخصوص كمية الدجاج التي كانت تستهلك في أثينا في عصر أريستوفان - حيث ما زال يعتقد أنها «الطيور الفارسية» - أو في إيطاليا في عصر الإمبراطور أغسطس. بدلا من ذلك، يمكننا أن نلاحظ زيادة استهلاكه والاعتياد عليه على مر الزمن واستخدامه كقربان، وإدراجه كطائر ضمن طيور أخرى. ويشير جالينوس إلى أنه كان الطائر الوحيد المخصص للاستهلاك الآدمي، ولكن لم يصل مستوى استهلاكه إلى المستوى الحالي.
شكل 1-2: كان الدجاج أو الطيور الداجنة - شأنها شأن نبات الأترج - تستورد من آسيا، وكان الدجاج (وبيضه) يؤكل كطائر ضمن طيور أخرى، وعلى الرغم من انتشاره لم يكن يحظى قط بالأهمية التي يحظى بها حاليا في النظام الغذائي. (حصلنا على نسخة من الصورة بإذن من كبير كهنة كاتدرائية إكستر ورجال الكنيسة العاملين بها.)
لعل المصطلحات من المشكلات المزمنة التي لا تنتهي، ويرد الكثير من الأمثلة الأخرى في كتابات أثينايوس وجالينوس التي لا يكون واضحا لهما فيها أي نوع من النباتات أو الحيوانات محل نقاش. وإذا كانت الحال هكذا إليهما، فلن يختلف كذلك بالنسبة إلينا. يحاول جالينوس إرساء مبدأ عام في مناقشته للثدييات الصغيرة الإيطالية («عن قوى الأطعمة» 3، 1، ترجمه إلى الإنجليزية: باول). يقول جالينوس إنه عند تخصيص حيوان غير معروف للأكل، فمن الأفضل أن يقارنه الطبيب بحيوان مشابه معروف له؛ «لن أكون بحاجة بعد الآن مطلقا إلى كتابة عبارات مطولة لمناقشة كل الحيوانات المحلية في كل البلدان، مثل الحيوان الصغير الموجود في إسبانيا الذي يشبه الأرنب البري، الذي يسمونه أيضا «أرنبا»؛ والحيوان الموجود في لوكانيا في إيطاليا الذي يقع في مرتبة بين الدب والخنزير؛ وكذلك الحيوان الذي يؤكل في المنطقة نفسها من إيطاليا وفي أماكن كثيرة غيرها، الذي يقع في مرتبة وسطى بين ما يسمى الإيليون وفأر الحقل.» يسمي جالينوس حيوانا جديدا (الأرنب) وحيوانا محليا؛ فالطبيب الوافد حديثا إلى منطقة ما يكون بحاجة إلى وجود إطار مرجعي لتسمية حيوان ما وحيوان آخر مشابه له لاستخدامه في المقارنة، حتى يتمكن من وصف الطعام كعلاج بثقة.
من الواضح أن المصطلحات كانت من المشكلات التي واجهت جالينوس وأثينايوس، وما زالت تقلقنا حاليا؛ فما زال تصنيف الأسماك وأنواع معينة من النباتات غير متفق عليه. وفي الوقت نفسه، نجد أن المجموعة الهائلة من الإحالات إلى كل هذا القدر من الأطعمة كما يرد في كتابات جالينوس وأثينايوس - بالإضافة إلى القوائم الواردة في كتاب بلينوس «التاريخ الطبيعي» - تندرج ضمن المصادر الكبرى. وهي تشهد على اهتمام كبير بالأطعمة المحلية في إيطاليا واليونان، وعلى ملاحظة الإضافات الوافدة الجديدة مثل الأرنب من إسبانيا. ولا بد أن ننظر إلى الإضافات الجديدة باعتبارها عملية مستمرة، تتحرك عادة - على عكس الأرنب - من الشرق إلى الغرب. وصلت النباتات المستنبتة في فترة مبكرة (إذا كانت التكنولوجيا قد جرى استيرادها من الشرق الأدنى ولم تنشأ محليا في الكثير من المواقع)، ومن بين هذه النباتات الزيتون والعنب والحبوب . ووصلت الطيور الداجنة في فترة متأخرة للغاية؛ إذ انتقلت ببطء من غابات تايلاند إلى البلدان المطلة على البحر المتوسط، وبدأ ظهور طائر التدرج. ووصل الخوخ والمشمش إلى روما في عهد الإمبراطور أغسطس على ما يبدو. ومن غير الواضح متى وصل الليمون إلى البلدان المطلة على البحر المتوسط. وكان نبات الأترج موجودا بالتأكيد في العصور القديمة، أما الليمون فربما لم يكن موجودا، ومن المؤكد أن الليمون والبرتقال والباذنجان والأرز جاءت كلها إلى البلدان المطلة على البحر المتوسط بفعل التأثير العربي بعد عام 700، وربما قبل ذلك. وأخذت أهم مراكز القوة والتجارة تجتذب الأطعمة الجديدة إليها، تماما مثلما أصبحت القصور الملكية الأوروبية في القرن السادس عشر مهتمة بأطعمة الأمريكتين مثل الشوكولاتة والطماطم والبطاطس (راجع مثلا: كو وكو 1996). فالقصور الملكية - كما سنرى - كانت عوامل مهمة في التحفيز على الابتكار، وكانت تتنافس في التفاخر، وكانت أيضا تسعى للحصول على أفضل أنواع الترياق لإبطال مفعول السموم، وربما اتضح أن أحد المكونات المميزة لإعداد ترياق ما يصلح ليكون إضافة ظريفة إلى النظام الغذائي.
وستكون المقارنات من هذا النوع بين العالم القديم والفترات التاريخية اللاحقة، وبالطبع القرن الحادي والعشرين، من السمات المهمة في هذا الكتاب.
للطعام عدة أدوار مهمة في الثقافة الغربية الحديثة؛ فالزراعة والشركات العالمية ومجال الإعلان والبنية الاجتماعية - فضلا عن التاريخ الطويل - كلها عوامل تسهم في ترسيخ الطعام والأفكار المتعلقة به في ثقافتنا؛ ففي بريطانيا والولايات المتحدة في العصر الحديث، نجد أن فصل المستهلك عن المعروض من المنتجات الزراعية ظاهرة واضحة أكثر مما عليه الحال في بلدان مثل فرنسا وإيطاليا. وبالمثل، نجد أن الإنتاج والتوزيع الصناعيين عن طريق الأسواق المركزية الكبرى (السوبر ماركت) في بريطانيا والولايات المتحدة من الظواهر الملحوظة للغاية، شأنهما شأن المؤثرات الخارجية الآتية من الهند والصين وإيطاليا على سبيل المثال.
كانت مجتمعات الإغريق والرومان تشبه في كثير من النواحي مجتمعات ما قبل العصر الحديث من حيث المعاناة من المرض وأزمات نقص الطعام المتكررة (خاصة في الربيع)؛ فعلى سبيل المثال: كانت أزمات نقص الطعام مألوفة في بريطانيا حتى القرن العشرين، وكانت فرنسا تجاهد لإطعام سكانها حتى القرن التاسع عشر، على الرغم من كل تقدمها الحديث وثراء أسواقها التي كانت تقام أسبوعيا في طول البلاد وعرضها، من أصغر القرى حتى شوارع باريس. نكبت فرنسا في القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر ب «أزمات وفيات» متقطعة بسبب الجوع والمجاعة؛ حيث شهدت ارتفاعا متزايدا في عدد الوفيات في جهات متفرقة من البلاد بواقع ثلاثة أضعاف وستة أضعاف، بل عشرة أضعاف أيضا. في شمال فرنسا وشمال شرق فرنسا، على وجه التحديد، كان سعر الحبوب بمنزلة مقياس للتغيرات الديموغرافية؛ إذ تسبب ارتفاع الأسعار الناجم عن تردي مواسم الحصاد في زيادة ارتفاع عدد الوفيات فيما سمي ب «قباب» الوفيات ... كان الريفيون يتضورون جوعا بأعداد غفيرة في السنوات الأخيرة من حكم لويس الرابع عشر (جونز 2002: 151). سنطلع على تقارير كتبها جالينوس عن أزمات نقص الطعام في الريف، وخاصة في فصل الربيع.
ناپیژندل شوی مخ