وفي عام 1947 كانت الأحوال في شبه القارة الهندية قد وصلت إلى درجة صار لا بد معها من إعلان الاستقلال، وأصدرت الحكومة البريطانية في 20 فبراير من ذلك العام بلاغا ذكرت فيه عزمها النهائي على اتخاذ الخطوات اللازمة لنقل السلطة إلى الأيدي الهندية المسئولة في موعد لا يتجاوز شهر يونيو من عام 1948.
وعين لورد مونتباتن نائبا للملك في الهند، ومنح السلطات اللازمة ليؤدي واجبا ساميا هو نقل السلطة من البريطانيين إلى السلطات الجديدة، فإما إلى حكومة موحدة للهند كلها وإما إلى حكومتي الهند وباكستان.
ووصل مونتباتن إلى دلهي في 23 مارس من عام 1947، وما إن وصل حتى أدرك في الحال استحالة التوفيق بين حزب المؤتمر الهندي والرابطة الإسلامية لإقامة حكومة موحدة للهند كلها، وأعلن أنه سيسير على أساس إقامة حكومتين منفصلتين، وفي 3 يوليو نشرت الحكومة البريطانية، بناء على نصيحته، مشروعا لقسمة الهند.
وبعد ستة أسابيع وفي يوم 18 يوليو على وجه التحديد، صدر قانون استقلال الهند، وأعلن فيه أنه ابتداء من يوم 15 أغسطس ستصبح كل من الهند وباكستان دولة مستقلة. وتقرر أن يتم التقسيم طبقا للقومية السائدة في الولايات؛ فالولايات ذات الأغلبية الهندوسية من السكان يتكون منها الاتحاد الهندي، والولايات ذات الأغلبية المسلمة من السكان تتكون منها دولة الباكستان.
ولا شك أن مهمة مونتباتن كانت مهمة عسيرة في ذلك الخضم المضطرب، وفي وسط الخلافات العنصرية والمذهبية، كما أنه كان مكلفا بالاتصال بعدة شخصيات تختلف عن بعضها اختلافا تاما؛ فقد كان هناك جواهر لال نهرو زعيم حزب المؤتمر الهندي الذي لم يؤمن في يوم من الأيام بفكرة قيام دولة «باكستان» مستقلة، وكان هناك «مهاتما» غاندي الذي وإن لم يكن له منصب رسمي إلا أنه كان كبير التأثير بين قومه بواسطة المقالات اليومية التي كان ينشرها في الصحف وإقامة الصلوات وعقد الاجتماعات الخاصة، وكان على استعداد دائم لإعلان «الصيام» في أي وقت بقصد إثارة الملايين من الناس.
وأخيرا - لا آخرا - كان هناك القائد الأعظم محمد علي جناح الزعيم الذي كان يقدسه المسلمون، والذي قال فيه الشاعر إقبال:
إنه المسلم الوحيد في الهند الذي يمكن للمسلمين أن يتطلعوا إليه باطمئنان في طلب القيادة والهداية.
ولا شك أن جناح كان يتمتع بسلطة مطلقة بين أتباعه، إلا أن معارضيه وجدوا فيه خصما عنيدا، وما كان جناح بالشخص العنيد ولكنه كان وطنيا كبيرا آمن بفكرته إيمانا جعله لا يقبل فيها مساومة.
وكان جناح يشتبه في نيات قادة حزب المؤتمر، كما أنه كان قليل الثقة في لورد مونتباتن.
ولم يتمكن غير عدد قليل جدا من المراقبين الأجانب أو المراسلين من عقد أواصر الود معه، ولكنهم مع ذلك كانوا يلمسون قوة شخصيته، وصلابة إرادته، وأكيد عزمه، ومقدرته السياسية الفائقة ...
ناپیژندل شوی مخ