وفوجئ جناح بهذا الطلب، فنبه الفتاة إلى فوارق متعددة تفصل بينه وبينها؛ أولها فارق الدين فهو مسلم وهي من أتباع زرادشت، وهي في العشرين من عمرها وهو في الأربعين، وهي إيرانية وهو هندي مسلم ... وأخيرا، وليس آخرا، أنها تنتسب لأسرة عريضة الثراء وهو رجل فقير ...
إلا أن الفتاة لم تهتم لهذه الفوارق وأخذت تهدمها واحدا بعد الآخر، فقالت إنها فيما يتعلق بالدين تريد أن تعتنق الإسلام وتترك مذهب زرادشت، وأما فيما يتعلق بالسن فإنها لا ترى أنه يقوم حائلا بين المرأة والرجل، وكذلك فيما يتعلق بالجنس، أما فيما يتعلق بالثروة فإنها تعرف أنها سوف تفقد نصيبها من ثروة والدها الكبيرة فيما إذا تم هذا الزواج.
ولما تبين جناح إخلاص الفتاة لم يجد ثمة مانعا من الزواج منها، وخاصة بعد أن اطمأن إلى أن أحدا لن يتهمه بأنه رغب في الزواج طمعا في مال الفتاة.
وتم الزواج وأسلمت الفتاة فحدثت ضجة كبرى وثار أهل الفتاة ضد جناح وحاولوا إلغاء هذا الزواج من طريق القضاء، إلا أن الفتاة أثبتت أن سنها تخول لها الحق المطلق في اختيار زوجها، وأراد القاضي أن يغمز محمد علي جناح فلمح له إلى أنه يسعى وراء مال الفتاة الثرية، فما كان من رتن إلا أن ثارت وقالت إنها هي التي عرضت الزواج على محمد علي جناح، وقد عرضته وهي تعرف وجناح يعرف أيضا أنها ستحرم من كل ثروتها، ولكنها ليست في حاجة إلى هذه الثروة.
وقد عاش الزوجان بعد ذلك في سعادة وهناء برغم كل ما كان بينهما من فوارق انعدمت بعد الزواج، وكانت ثمرة هذا الزواج فتاة أطلق عليها اسم «فينا».
إلا أن الزوجة ما لبثت أن انتقلت إلى رحمة الله وهي لم تبلغ الثلاثين من عمرها بعد، فحزن جناح لفقدها واضطر أن يترك الطفلة عند جدتها لأمها.
وما لبثت أواصر الصلة بينه وبين هذه الابنة أن انقطعت. •••
واحتمل جناح هذه الصدمة بشجاعة نادرة فلم يندب حظه أو يشكو لأحد ما أصابه، وإنما ازداد تفانيا وإخلاصا في خدمة المسلمين في الهند ... وكأنه أراد أن ينسى في غمار الجهاد الوطني قسوة الصدمة النفسية التي أصابته بموت زوجته أولا ثم بانقضاء ما كان بينه وبين ابنته.
ويربط كثيرون من المؤرخين بين ما أصاب جناح في حياته الخاصة بعد أن انتهى ما كان بينه وبين زوجته الزرادشتية، وبين التحول الذي ظهر في اتجاهاته السياسية بعد هذه النكبة العاطفية ...
ففي ذلك الوقت عينه، وبعد الانفصال الأبدي بينه وبين زوجته وابنته أخذ جناح ينادي بضرورة انفصال باكستان عن الهند. •••
ناپیژندل شوی مخ