والوَجهُ الثَّاني: أن الكلامَ متضمنٌ معنى الفِعل، وكانَ هو العامِلُ وبيانُه أنَّ قولَكَ: لا رجلَ في الدَّارِ تقديرُهُ: لا أعلمُ ولا أَجِدُ والمَعنى على هذا مُستقيمٌ، وحذفُ الفعلِ وإبقاءُ عملِهِ جائزٌ بلا خلاف، فمن ذلك قوله: ﴿وإن أحدٌ من المُشْرِكين استَجَارَكَ﴾، و﴿إذا السَّماءُ انشَقَّتْ﴾ والاسمُ معمولٌ لفعلٍ مَحذوفٍ، كذلك هو هاهُنا، والأصلُ في العَملِ للأفعالِ، فإذا صحَّ تقديرها نُسب العملُ إليها.
والوجهُ الثَّالث: أن «لا» بمعنى «غَير» وغيرُ هنا بمعنى «لَيس»، ألا تَرى أنَّك تقولُ: «زيدٌ لا عاقلٌ ولا جاهلٌ» أي: غيرُ عاقلٍ، وتقولُ: «قامَ القومُ ليسَ زيدًا» وهو في المعنى قامَ القوم غيرُ زيدٍ، فلمَّا اشتبهت الكلمات الثَّلاث «لا» و«لَيس» و«غَير» وكانت «غيرُ» تَجُر، و«لَيس» تنصبُ كان حملها على «ليس» أَولى؛ لأنَّها غير جارّة وهي مِثلها في النَّفي فَحُمِلَتْ عَلَيْها في النَّصبِ.
ونظيرُ ذلك حَمْلُ «ما» على «لَيس» في لغةِ أهلِ الحِجاز، و«لا» تُشاركها في أنَّ لها اسمًا وخبرًا كما لـ «ليس» كذلك، إلاّ أنهم لما قدموها ولزمت فيها النَّكرة بدأوا بالمنصوبِ كما يبدؤون بحرفِ الجَرّ إذا كان المُبتدأ نكرة.
والرَّابع: أنَّ «لا» محمولةٌ على «إنَّ» لأنَّها تُشبهها في دُخولها على