Simplification of Legal Principles - Their Explanation and Role in Enriching Modern Legislation

تبسيط القواعد الفقهية - شرحها ودورها في إثراء التشريعات الحديثة

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۲۶ ه.ق

د خپرونکي ځای

بيروت

ژانرونه

فقهي قواعد

تبسيط

القواعد الفقهية

شرحها ودورها في إثراء التشريعات الحديثة

تأليف:

الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان

منشورات محمد علي بيضون

بيروت - لبنان

دار الكتب العلمية

1

تبسيط

القواعد الفقهية

شرحها ودورها في إثراء التشريعات الحديثة

تأليف:

الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان

منشورات محمد علي بيضون

بيروت - لبنان

دار الكتب العلمية

2

الكتاب: تبسيط القواعد الفقهية

TABSĪȚUL-QAWĀ"ID AL-FIQHIYAH

المؤلف: الدكتور محيي هلال السرحان

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

عدد الصفحات: 104

سنة الطباعة: 2005 م

بلد الطباعة: لبنان

الطبعة: الأولى

ISBN 2-7451-4743-9

9 782745 147431

منشورات محمد علي بيضون

دار الكتب العلمية

جميع الحقوق محفوظة

Copyright

All rights reserved

Tous droits réservés

جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملاً أو مجزأً أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على اسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطياً.

Exclusive rights by © Dar Al-Kotob Al-Ilmiyah Beirut - Lebanon

No part of this publication may be translated, reproduced, distributed in any form or by any means, or stored in a data base or retrieval system, without the prior written permission of the publisher.

Tous droits exclusivement réservés à © Dar Al-Kotob Al-Ilmiyah Beyrouth - Liban

Toute représentation, édition, traduction ou reproduction même partielle, par tous procédés, en tous pays, faite sans autorisation préalable signée par l'éditeur est illicite et exposerait le contrevenant à des poursuites judiciaires.

الطبعة الأولى

٢٠٠٥ م. ١٤٢٦ هـ

منشورات محمد علي بيضون

دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان

Mohamad Ali Baydoun Publications

Dar Al-Kotob Al-Ilmiyah

الإدارة: رمل الظريف، شارع البحتري، بناية ملكارت

Ramel Al-Zarif, Bohtory Str., Melkart Bldg., 1st Floor

هاتف وفاكس: ٣٦٤٣٩٨ - ٣٦٦١٣٥ (١ ٩٦١)

فرع عرمون، القبة، مبنى دار الكتب العلمية

Aramoun Branch - Dar Al-Kotob Al-Ilmiyah Bldg.

ص.ب: ٩٤٢٤ - ١١ بيروت - لبنان

هاتف: ١٢ / ١١ / ٠٩٦١٥٨٠٤٨١٠

رياض الصلح - بيروت ٢٢٩٠ ١١٠٧

فاكس: ٥٨٠٤٨١٣ ٠٩٦١

http://www.al-ilmiyah.com

e-mail: sales@al-ilmiyah.com

info@al-ilmiyah.com

baydoun-ilmiyah.com

3

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الذي خلق العباد، ومهد لهم طريق الرشاد.

وصلّى الله على رسوله ونبيه سيدنا محمد الذي بعثه ليهدي الناس إلى الصلاح والسداد، فكان لهم بشيراً ونذيراً وخيرَ هادٍ.

ورضي الله عن صحابته الكرام الأمجاد، والفقهاء العظام الأسياد، ومن سار على نهجهم في معرفة سبل الاجتهاد، واستنباط الأحكام من القرآن الكريم، وما صحّ عن النبي ﷺ من المتن والإسناد، لإثراء التشريع الفقهي الإسلامي إلى يوم المحشر والمعاد.

وبعد :

فإن التشريع الإسلامي ثروة فقهية إنسانية ضخمة، تجمعت مفرداتها على مر العصور بمساهمة عدد غفير من الفقهاء مستنبطة من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة.

وهم في استنباطهم لمفردات هذه الثروة كانوا يوجهون عنايتهم الزائدة إلى المقاصد الشرعية التي يسعى التشريع إلى تحقيقها.

ولما توسعوا في دراسة تلك المقاصد وجدوا أن التشريع يسعى إلى تحقيق مصالح كثيرة بوّبوها تحت ثلاثة أبواب هي:

  1. المصالح الضرورية.

  2. المصالح الحاجية.

  3. المصالح التحسينية.

3

وبتوغلهم في دراسة ذلك والتفريع عليه وجدوا أيضاً أن تلك المصالح تتمثل في مبادىء عامة وقواعد كلية هي المسماة بـ(القواعد الفقهية) استنبطوها من روح التشريع، شيئاً فشيئاً على مر العصور، حتى تجمعت منها أعداد كبيرة إلى وقتنا الحاضر، كانت ذات أثر كبير في توسع الاجتهاد، واستنباط الأحكام التشريعية.

قمت في هذه الدراسة بالتعريف بهذه القواعد، وبيان الفرق بينها وبين القواعد الأصولية، واستعراض ما مرت به من الأدوار التأريخية، وبيان ما ألف فيها على مر العصور إلى وقتنا هذا، مبوباً تلك القواعد تحت أطر تجمع بين المتشابه منها أو المتفرع عنها، مبيناً آثار تلك القواعد في نماء التشريعات الحديثة، وبالله التوفيق.

الأستاذ الدكتور

محيي هلال السرحان

4

القواعد العامة للمصالح الشرعية

أو

((القواعد الفقهية))

إن المصالح التي يرمي إلى تحقيقها التشريع الإسلامي (الضرورية والحاجية والتحسينية) تتمثل في مبادئ عامة وقواعد كلية تعرف بالقواعد الفقهية. فما هي هذه القواعد؟ وما هي قيمتها التشريعية؟ وما هو دور الفقهاء في الاهتمام بها؟ وما هي مجالاتها التطبيقية؟

تعريف القواعد الفقهية

القواعد: جمع قاعدة.

القاعدة في اللغة: الأساس(١). ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾(٢) أي أسسه(٣)، يقال: قاعدة البناء، أي أساسه، وقاعدة الجبل: أصله.

ومعناها مأخوذ من القعود، أي الثبات والاستقرار.

(١) الأزهري: تهذيب اللغة (تحقيق عبد السلام هارون وجماعة، ط: المؤسسة المصرية ١٩٦٤) تركيب (عقد): ٢٠٢/١، وانظر تاج العروس مادة (قعد): ٤٧٣/٢، وجعلها من المستدرك على القاموس، وانظر المصباح المنير: ٧٨٦/٢.

(٢) البقرة: ١٢٧.

(٣) أبو عبيد معمر بن المثنى: مجاز القرآن (تحقيق فؤاد سزكين - ط: الخانجي ١٩٧٠) ج١ ص٥٤، وانظر تفسير الطبري (تحقيق محمود محمد شاكر) ٣/ ٥٧، تفسير القرطبي: ١٢٠/٢.

5

وفي اصطلاح الفقهاء:

قضية كلية تنطبق على جميع جزئياتها، أو أكثرها، تعرف أحكامها منها(١). فهي حكم كلي، أو قانون عام، يندرج تحته مجموعة من المسائل الشرعية المتشابهة تشابهاً يجعل الحكم الكلي يشملها، وذلك كقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، ولا ضرر ولا ضرار(٢).

فهي مرادفة للقانون والضابطة والأصل، وربما كانت بمعنى المسألة الكلية والمقصد الكلي(٣).

ذلك أنه نتج عن مراعاة المصالح الشرعية (الضرورية، والحاجية، والتحسينية) مبادىء عامة، وقواعد كلية، تندرج تحتها جزئيات عديدة، ومسائل وفروع فقهية كثيرة، استخرجها الفقهاء من النصوص الشرعية - بلفظها، أو بمعناها، جاءت عبارتها مصاغة صياغة رصينة، بكلمات موجزة وبيان محكم.

قيمة القواعد الفقهية الكلية من الوجهة التشريعية

وهذه القواعد لها قيمة كبيرة في الفقه، فهي ثروة فقهية عظيمة وزاد فكري خصب تكون معيناً لا ينضب وضابطاً عاماً يساعد كثيراً في ضبط المسائل الفقهية التي لم يرد فيها نص، وهي تمثل روح التشريع وتعبر عن مقاصده التي يرمي إلى تحقيقها، وتشتمل على أسراره وحكمه، فهي عظيمة النفع جليلة الشأن، يتحصل بفهمها والإحاطة بها ملكة للفقيه، وبقدر فهمها والإحاطة بها يعظم قدره، وتعلو مرتبته، ويتسع أفقه.

(١) بشأن تعريفها الاصطلاحي انظر: الجرجاني: التعريفات: ١٤٩، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون الملقب بدستور العلماء: ٥١/٣، ٥٢، المصباح المنير: ٧٨٦/٢، الأشباه والنظائر لابن نجيم بشرح الحموي: ٢٢، درر الحكام شرح مجلة الأحكام تأليف علي حيدر، تعريب فهمي الحسيني (المطبعة العباسية حيفا ١٩٢٥) ١/ ١٧، شرح المجلة لسليم رستم باز (بيروت ط: ٣، المطبعة الأدبية ١٩٢٣) ص١٧، شرح المجلة لمنير القاضي ٥٣/١ المدخل الفقهي العام لمصطفى أحمد الزرقاء (مطبعة الجامعة السورية دمشق ١٩٥٢) ٦٣٣/١، التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون (طبعة مصورة عن طبعة الهند: ١١٧٦/٥، مختصر قواعد العلائي لابن خطيب الدهشة (رسالة دكتوراه قدمها مصطفى محمود مصطفى إلى جامعة الأزهر ١٩٧٨ مطبوعة على الرونيو) ١/ ٥.

(٢) محمد شفيق العاني: الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد في البلاد العربية (ط: لجنة البيان العربي - القاهرة ١٩٦٥) ١٠٣ - ١٠٤.

(٣) كشاف اصطلاحات الفنون: ١١٧٦/٥.

6

لذلك تنافس في دركها فضلاء المشرعين، وبذلوا في تقعيدها جهوداً كبيرة كما سيتضح في موضوع (تاريخ ظهور القواعد الفقهية واهتمام الفقهاء والأصوليين بها)، وبها يستغنى عن حفظ كثير من الجزئيات؛ لاندراجها في تلك الكليات، وبدونها قد يخطىء الفقيه في فهم حكم تلك الجزئيات إذا لم يضبطها ضابط، فبها تعرف الأشباه، وبها تقرن النظائر، لمعرفة أشبهها بالحق، إذ أمرنا بذلك(١).

قال القرافي :

«وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فبها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع(٢)، وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقضِ نفسه من طلب مناها، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع والبعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره، لما أشرق فيه من البيان، فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد»(٣).

(١) يتضح ذلك من عهد عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري قاضيه على البصرة إذ جاء فيه: (( ... اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق ... )) الذي رواه الدارقطني في سننه عن أبي المليح الهذلي وعن سعيد بن أبي بردة (سنن الدار قطني: ٢٠٦/٤ - ٢٠٧ رقم ١٥ - ١٦) وقد رواه جمع غفير من المحدثين وتناقلته الرواة وجماعات كبيرة من الفقهاء حتى سمي بدستور القضاة وقد استقصينا تخريجه في شرح أدب القاضي للخصاف لحسام الدين الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز بن مازة (جـ١ ص ٢١٣ - ٢١٤) وانظر أدب القاضي: ٢٥٠/١، ٥٧٠، ٦٨٨، ٨/٢، ٩٣، ٢٤١.

(٢) القارح في اللغة المهر الذي انتهت أسنانه واكتملت (المصباح المنير: قرح، ٧٦٤/٢، والقاموس: قرح ٢٥١/١) ويراد بها الرجل الذي اكتمل (تاج العروس: قرح ٣٠٥/٢)، والجذع في اللغة المهر إذا دخل في السنة الثالثة (المختار: جذع، ص٧٢) أي لم تكتمل أسنانه، ويراد بها الشاب الحدث (قاموس: جذع ١٢/٣) والعبارة مثل يضرب للتفريق بين من تضلع في شيء واكتمل، ومن هو مبتدىء فيه.

(٣) القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن العلاء الصنهاجي (المتوفى ٦٨٤هـ) الفروق دار إحياء الكتب العربية ١٣٤٧ : ٠٣/١

7

الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية

سميت القواعد الفقهية الكلية بهذه التسمية تفريقاً لها عن القواعد الأصولية.

فالقواعد الفقهية تختلف عن القواعد الأصولية، وإن كان النوعان قواعد كلية، وأصولاً عامة، يندرج تحتها جزئيات متعددة.

ذلك أنهم لم يعتبروا القواعد الفقهية من ضمن قواعد علم الأصول، وإنما عدّوها قسيماً مضارعاً لها، وأفردوا كل نوع منهما بتآليف خاصة.

قال القرافي :

((إن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله منارها شرفاً، وعلوًّا، اشتملت على أصول وفروع :

وأصولها قسمان :

أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين .

والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل ... ))(١).

ويظهر الاختلاف بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية في أن القواعد الفقهية من قبيل المبادىء العامة والضوابط الفقهية، تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها(٢)، توضح التصورات والأفكار القانونية في الفقه الإسلامي(٣)، وتعين على ضبط المسائل ومعرفة أحكام الجزئيات المندرجة تحتها، التي لم ينص عليها، أو لم يرد على حكمها دليل.

(١) الفروق: ٢/١ -٠٣

(٢) مصطفى أحمد الزرقاء: المدخل الفقهي العام: ٦٣٣/١.

(٣) د.عبد الكريم زيدان: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية (المطبعة العربية ١٩٦٤) ص ٩٠.

8

وأكثر القواعد الفقهية قواعد أغلبية، أي غير مطردة، ولا يغض من قيمتها الاستثناءات الواردة عليها؛ إذ إن لكل قاعدة عامة مستثنيات؛ نتيجة تقييد، أو تخصيص بمقيد أو بمخصص، فموضوع القاعدة الفقهية فعل المكلف.

أما القواعد الأصولية، فهي التي تضع المناهج، وتبين المسالك التي يلتزم بها الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فهي تعين على استخراج الحكم من الدليل نفسه، من: كتاب، أو سنةٍ، أو إجماع، أو قياسٍ، أو سائر المصادر التشريعية، والمباحث اللغوية، فموضوع القاعدة الأصولية الدليل الذي يساعد على استنباط الحكم.

تاريخ ظهور القواعد الفقهية الكلية

يرجع تاريخ القواعد الفقهية الكلية إلى عهد الرسالة الأول - عهد نزول القرآن الكريم، فعنه تصدر هذه القواعد، وعن معانيه الجليلة، ومقاصده السامية تعبر، ولا شك أنه هو الينبوع الأول لها، إذ قد أرسى المعاني الأساسية للتشريع، وحدد المقاصد والغايات التي يهدف إلى تحقيقها، والتي عبّرت عنها تلك القواعد. فنجد في القرآن كثيراً من أصول الأحكام وأساسيات التشريع الفقهي كقوله:

﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾(١)

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾(٢)

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(٣)

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾(٤)

﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِّ﴾(٥)

﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِّ﴾(٦)

﴿كُلُّ أَمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾(٧)

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(٨)

(١) المائدة: ٧. (٢) البقرة: ٢٨٦.

(٣) الأنعام: ١٦٤، والإسراء: ١٥، وفاطر: ١٨، والزمر: ٧.

(٤) النجم: ٣٩. (٥) الإسراء: ٣٤.

(٦) المائدة: ١. (٧) الطور: ٢١.

(٨) الأنبياء: ١٠٧.

9

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾(١).

﴿لَاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾(٢).

﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ﴾(٣)

وغير ذلك من الأصول العامة والمبادىء الأساسية التي جرت عليها التشريعات الفقهية، وإن لم يعدوا ذلك من القواعد الفقهية.

وعلى كل حال يكون أول من نطق بالقواعد الفقهية هو صاحب الرسالة ﷺ: فكان إذا سئل عن أمر، أو استفتي عن مسألة، أجاب بكلمة وجيزة فصيحة من جوامع كلمه ﷺ.

ولا غرابة في ذلك فهو أفصح من نطق بالضاد.

ومن جوامع كَلِمِهِ التي خرجت مخرج القواعد الفقهية الكلية قوله:

((الخراج بالضمان))(٤).

ومعنى ذلك: أن ما يخرج من الشيء من غلة ونتاج وبدل إجارة، فهو عوض ما كان عليه من ضمان الملك ومؤونته، فإنه لو تلف كان من ضمانه(٥).

وكقوله: ((طالب الولاية لا يولّى))(٦).

(١) النساء: ٥٨. (٢) البقرة: ٢٥٦.

(٣) المائدة: ٤٥.

(٤) حديث ((الخراج بالضمان)) رواه الترمذي في البيوع (سنن الترمذي: ٣٧٦/٢ - ٣٧٧ رقم ١٣٠٣ - ١٣٠٤) في حديث صحيح، وأبو داود في البيوع (سنن أبي داود: ٢٨٤/٣ رقم ٣٥٠٨ - ٣٥٠٩) والنسائي في البيوع (سنن ٢٥٤/٧ - ٢٥٥) وابن ماجة في التجارات (سنن: ٧٥٣/٢ - ٧٥٤ رقم ٢٢٤٢ - ٢٢٤٣) والإمام أحمد (المسند: ٤٩/٦، ٢٠٨، ٢٣٧) وكلهم من حديث عائشة رضي الله عنها، والحديث أحد القواعد الفقهية، انظر عن هذه القاعدة: الأشباه والنظائر للسيوطي: ١٣٥ رقم القاعدة: ١١، ولابن نجيم: ١٣٥ رقم القاعدة: ١٠ وشرحه للحموي: ١٨٢، ومجلة الأحكام العدلية: ص٢٦ رقم المادة: ٨٥، وشرحها لعلي حيدر: ٧٨/١، ولسليم رستم باز: ٥٦ - ٥٧، وشرح منير القاضي: ١٥٠/١، تحرير المجلة: ٥٤/١.

(٥) انظر سنن الترمذي: ٣٧٧/٢.

(٦) حديث ((طالب الولاية لا يولى)) هو أحد ألفاظ الحديث المتفق عليه من حديث أبي موسى: ((إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه)) الذي رواه مسلم في الإمارة (صحيح مسلم ١٤٥٦/٣ رقم ١٧٣٣) والبخاري في الأحكام (صحيح البخاري: ١٥٩/٤).

10

وقوله: ((إنما الأعمال بالنيات))(١).

وقوله: ((جناية العجماء جبار))(٢).

وقوله: ((لا ضرر ولا ضرار))(٣) مما سنشرحه بعد.

وغير ذلك من كلماته الجامعة ﷺ.

وأضيفت إليها أقوال الفقهاء المستخلصة من النصوص الشرعية؛ كقول الشافعي: إن الأمر إذا ضاق اتسع(٤)

وكقول أبي يوسف للرشيد في كتابه الذي وضعه في الخراج: ليس للإمام أن يخرج شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف(٥).

وكقول البيهقي: لا يزول اليقين بالشك(٦).

وكقول أبي الحسن الماوردي(٧) (المتوفى ٤٥٠هـ) في موضوع القضاء (وهو شافعي): من تعين عليه فرض أخذ به جبراً(٨).

(١) حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب فقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه منها ما افتتح به كتابه في بدء الوحي (صحيح البخاري: ٢/١ -٣) ورواه مسلم في مواضع منها ما رواه في كتاب الإمارة (صحيح مسلم: ١٥١٥/٣ رقم ١٩٠٧).

(٢) حديث ((جناية العجماء جبار)) متفق عليه بلفظ ((العجماء جرحها جبار)) من حديث أبي هريرة (صحيح مسلم - الحدود: ١٣٣٤/٣ - ١٣٣٥ رقم ١٧١٠) ومواضع أخرى منه. ورواه البخاري في مواضع أحدها في الحدود (صحيح البخاري: ١/ ١٨٠).

(٣) حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه ابن ماجة في الأحكام من عبادة بن الصامت وعن ابن عباس (سنن: ٧٨٤/٢ رقم ٢٣٤٠ - ٢٣٤١) والإمام أحمد: (المسند ٣١٣/١، ٣٢٧/٥) ومالك والشافعي والطبراني وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما (المقاصد الحسنة: ٤٦٨ رقم ١٣١٠).

(٤) السيوطي: الأشباه والنظائر: ٨٣، ابن نجيم: الأشباه والنظائر: ٨٤.

(٥) أبو يوسف: كتاب الخراج (المطبعة السلفية ط٣ سنة ١٣٨٢) ص ٦٠ والأشباه والنظائر لابن نجيم: ١٢٤، وغمز عيون البصائر: ١٥٨. وانظر رد المحتار: ٢٥٧/٢، والمدخل الفقهي العام: ٦٣٦/١.

(٦) البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى (ط: حيدر آباد ١٣٤٤): ١/ ١٦١.

(٧) أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي صاحب الحاوي الكبير في الفقه الشافعي وصاحب الأحكام السلطانية انظر ترجمته الموسعة التي صدّرنا بها تحقيقنا لكتاب أدب القاضي من الحاوي (ط: ١ الإرشاد بغداد ١٩٧١) حـ١ ص١ - ٩٦.

(٨) أدب القاضي: ١٤٤/١ الفقرة: ٥٦.

11

وقوله: الإجماع حجة قاهرة(١).

وقوله: الدعوى المجهولة مردودة(٢).

وقوله: إن الحال تصلح مع تطاول الزمان(٣).

وغير ذلك وهي كثيرة(٤).

وكقول الحسام الشهيد(٥) (المتوفى شهيداً سنة ٥٣٦هـ) في شرحه لأدب القاضي للخّصاف (حنفي): البينات شرعت للإثبات لا للنفي(٦).

وقوله: صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه(٧).

وقوله: الثابت بالبيئة العادلة كالثابت بالمعاينة(٨).

وقوله: من لا يصح إقراره لا يصح إنكاره(٩).

وكالقواعد التي استعان بها أبو الحسن السعدي(١٠) (المتوفى ٤٦١هـ) في كتابه النُّتَف والفتاوى(١١) (وهو حنفي).

(١) أدب القاضي: ٤٧٩/١ الفقرة: ١٠٧٩.

(٢) أدب القاضي: ٢١٢/٢ الفقرة: ٢٧٩٠.

(٣) أدب القاضي: ١٥٩/٢ الفقرة: ٢٥٤٣.

قد جمعنا بعضاً منها في مقدمة تحقيقنا لهذا الكتاب فانظر في حا ص٧٨.

(٤) (٥) وهو الإمام حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي المعروف بالصدر الشهيد أحد شيوخ صاحب الهداية انظر ترجمته الموسعة التي صدّرنا بها كتابه شرح أدب القاضي للخصاف (مطبعة الإرشاد بغداد ١٩٧٧) حا ص٢٥ وما بعدها.

(٦) شرح أدب القاضي: ١/ ٦٧.

(٧) شرح أدب القاضي: ١/ ٦٧.

(٨) شرح أدب القاضي: ٦٧/١.

(٩) شرح أدب القاضي: ٦٧/١.

(١٠) أبو الحسن السعدي: هو قاضي القضاة أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد الفقيه الحنفي المناظر، تفقه على شمس الأئمة السرخسي وروي عنه شرح السير الكبير، تصدر للإفتاء ونسبته إلى السغد بضم السين ناحية من نواحي سمرقند، توفي ببخارى، انظر ترجمته في: الجواهر المضية: ٣٦١/١ رقم ٩٩٦، الفوائد البهية: ١٢١ تاج التراجم: ٤٣ رقم ١٢٧، معجم المؤلفين ٧٩/٧.

(١١) استخرج الدكتور صلاح الدين الناهي محقق الكتاب مجموعة من القواعد تنوف على ١٥٠ قاعدة من كتاب النتف ألحقها بآخر الكتاب (مطبعة الإرشاد بغداد ١٩٧٦) ٨٧٩/٢ - ٩٠٢، ونشرت في مجلة المجمع العلمي العراقي (المجلد التاسع عشر ١٩٧٠) ص١٩٠ - ٢٢٠.

12

وكالقواعد التي استخدمها ابن السمناني(١) (المتوفى ٤٩٩هـ) في كتابه روضة القضاة وطريق النجاة(٢) (وهو حنفي أيضاً) وغيرهم وهم كثيرون. بل لا يخلو كتاب فقهي منها.

وقد كان الفقهاء يستشهدون بتلك المقولات العامة التي تعبر عن مقاصد التشريع وأهدافه السامية إلى جانب ما تعارف عليه العقلاء من مبادئ عامة، وما استخلصوه من تجاربهم الفقهية في الفتوى والقضاء، فكانت لديهم عموميات هي أقرب إلى المقدمات الكبرى في علم الكلام، وليست مثلها لكونها قواعد أغلبية، إلا أنها كانت مبثوثة في ثنايا كتبهم، يعززون بها كلامهم حين يعرضون لاستنباط الأحكام لم يجمعها جامع، ولم يضمها مؤلف؛ كما هو شأن قواعد علم الأصول في أول أمرها.

وليس عدم تدوينها في كتبها المستقلة دليلاً على عدم وجودها؛ فالتدوين ليس منشئاً لها بل هو كاشف عن وجودها.

وبقي الأمر كذلك ردحاً من الزمن. فلما كثرت هذه القواعد وكثر الاستشهاد بها، ولمس الفقهاء والأصوليون أهميتها ودورها في بناء الفقه وتكوين الملكات الفقهية اشتد الطلب عليها وبدؤوا بتدوينها، فألفت الكتب المختصة فيها، على الوجه الذي تراه في الموضوع الآتي :

اهتمام الفقهاء والأصوليّين بالقواعد الفقهية

حظيت القواعد الفقهية باهتمام الفقهاء والأصوليين، خصوصاً بعد أن دوّن الفقه، وعكف الناس على دراسة مطولاته، حين مالوا إلى إيجاد ظواهر مشتركة عامة،

(١) ابن السمناني: وهو علي بن محمد بن أحمد الرحبي أبو القاسم ابن السمناني ولد في رحبة مالك بن طوق وورد على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني فقرأ عليه مذهب أبي حنيفة انظر ترجمته في الجواهر المضية: ٣٧٥/١، رقم ١٠٣٧، الفوائد البهية: ١٢٣، معجم المؤلفين: ٧/ ١٨٠ وانظر بروكلمان (بالألمانية) الأصل: ٣٧٣/١، والمقدمة التي كتبها الدكتور صلاح الدين الناهي في مقدمة تحقيقه لكتاب روضة القضاة (ط: ١ مطبعة أسعد، بغداد ١٩٧٠).

(٢) انظر كتاب روضة القضاة: ٢٨/١ -٣٣.

13

تضم طائفة كثيرة من الأحكام، لا سيما أنهم قد رأوا في أحاديث الرسول ﷺ مادة غزيرة من تلك القواعد والضوابط في جوامع كلمه.

فقد روي أن أبا طاهر الدباس(١) (المعاصر للكرخي المتوفى ٣٤٠هـ) اختصر فقه أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة(٢)، فلما بلغ القاضي حسيناً(٣) (المتوفى ٤٦٢هـ) ذلك ردّ جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد هي:

  1. اليقين لا يزال بالشك.

  2. المشقة تجلب التيسير.

  3. الضرر يزال.

  4. العادة محكمة.

وضمّ بعض الفضلاء إلى هذه قاعدة خامسة وهي:

٥ - الأمور بمقاصدها(٤).

ولا شك أن ذلك كله موضع تأمل ونظر، فإن كثيراً من الفقه لا يرجع إليها إلا بواسطة وتكلف.

(١) أبو طاهر الدبّاس: هو محمد بن محمد بن سفيان، الفقيه الحنفي إمام أهل الرأي بالعراق، درس الفقه على القاضي أبي خازم، وكان صحيح المعتقد، جيد الحفظ، عارفاً بالروايات بخيلاً بعلمه، ولي القضاء بالشام، وخرج منها إلى مكة، فجاور بها، وفرّغ نفسه للعبادة إلى أن أتاه الأجل. انظر ترجمته وأخباره في: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (طبع الهند): ١٦٢، الجواهر المضية: ١١٦/٢ - ١١٧ رقم: ٣٥٤، الفوائد البهية: ١٨٧.

(٢) السيوطي: الأشباه والنظائر (ط١ دار الكتب العلمية بيروت ١٩٧٩/١٣٩٩) ص٧ والأشباه والنظائر لابن نجيم (تحقيق الوكيل - مؤسسة الحلبي - القاهرة: ١٩٦٨) ص١٥، وانظر مقدمة حاشية الحموي عليه، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أبو سعد الهروي (المتوفى ٥١٨هـ) في كتابه الإشراف في أدب القضاء وغوامض الحكومات (مخطوط) نسخة مكتبة بني جامع الورقة ٦٣ ب.

(٣) القاضي حسين المروروذي أبو علي الحسين بن محمد الفقيه الشافعي أحد أئمة الفقه الشافعي المتقنين، صنف في الأصول والفروع والخلاف توفي بمروروذ انظر وفيات الأعيان (تحقيق إحسان عباس): ١٣٤/٢ رقم ١٨٣، طبقات السبكي (تحقيق الطناحي والحلو): ٣٥٦/٤ رقم ٣٩٣، طبقات العبادي: ١١٢، طبقات الإسنوي: ١ /٤٠٧ رقم ٣٦٦.

(٤) السيوطي: الأشباه والنظائر: ٧ - ٨.

14

بل ردّ العز بن عبد السلام(١) (المتوفى ٦٦٠هـ) الفقه كله إلى قاعدة واحدة هي اعتبار المصالح ودرء المفاسد(٢).

ثم جاء آخرون فاختصروا عبارة العزّ هذه، فقالوا: بل يرجع الكل إلى اعتبار المصالح فإن درء المفاسد من جملتها(٣).

ورأى آخرون إلى أنها ترجع إلى قاعدة ((الضرر يزال))(٤).

قال السبكي: وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين، بل على المئين(٥).

وعلى كل حال كثرت الحاجة إلى معرفة تلك القواعد والإحاطة بها؛ لأهميتها الكبيرة ودورها العظيم في لمّ شتات المسائل الفقهية وتنمية الفقه وتكوين الملكات الفقهية، فألفت الكتب الكثيرة فيها التي تتمرد على الحصر، وإليك بعضاً من مؤلفاتهم في هذا الشأن:

١ - ممن اشتهر بتدوين القواعد من الحنفية:

وممن اشتهر بتدوين القواعد الفقهية من الحنفية: أبو الحسن الكرخي(٦)

(١) العز بن عبد السلام، شيخ الإسلام وسلطان العلماء (وهذه ألقابه)، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، الفقيه الشافعي المشهور، ولي الخطابة بجامع دمشق والقضاء في مصر، توفي سنة ٦٦٠هـ من مصنفاته القواعد الكبرى المسمى بقواعد الأحكام في مصالح الأنام، انظر ترجمته في فوات الوفيات: ٣٥٠/٢ رقم ٢٨٧، شذرات الذهب: ٣٠١/٥، طبقات السبكي: ٢٠٩/٨ رقم ١١٨٣، طبقات الإسنوي: ١٩٧/٢ رقم ٨١٣ والدراسة المفصلة عنه التي كتبها زميلنا الدكتور عبد الرحيم الزقة في رسالته (المطبوعة على الرونيو - جامعة بغداد ١٩٧٧).

(٢) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (نشر طه عبد الرؤوف سعد مكتبة الكليات الأزهرية دار الشرق للطباعة ١٩٦٨/١٣٨٨) جـ١ ص١١.

(٣) السيوطي: الأشباه والنظائر: ٨.

(٤) السيوطي: الأشباه والنظائر: ٨.

(٥) السيوطي: الأشباه والنظائر: ٨.

(٦) أبو الحسن الكرخي: عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الفقيه الحنفي المشهور، انتهت إليه رئاسة الحنفية بعد أبي خازم، كان مع غزارة علمه وكثرة رواياته شديد الورع صبور على الفقر والحاجة، عزوفاً عما في أيدي الناس. انظر ترجمته وأخباره في كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ط: الهند): ١٦٠، الجواهر المضية ٣٣٧/١ رقم ٩٢١، الفوائد البهية: ١٠٨، الفهرست: ٢٠٨/١، لسان الميزان: ٩٨/٤، معجم المؤلفين: ٢٣٩/٦.

15

(المتوفى ٣٤٠هـ) الذي كان معاصراً لأبي طاهر الدباس الذي مرّ ذكره، فأخذ قواعد الدباس، وأضاف إليها بعض ما يمكن اعتباره قواعد في الجملة حتى أوصلها إلى سبع وثلاثين قاعدة ضمتها رسالته المطبوعة في الأصول(١).

ثم تبعه الإمام أبو زيد الدبوسي(٢) (المتوفى ٤٣٠هـ) في كتابه تأسيس النظر(٣) الذي جمع فيه ستاً وثمانين قاعدة كانت أقرب إلى الضوابط والمسائل الفقهية والأصولية.

ثم علي الغزي(٤) (المتوفى ٧٩٩هـ) في كتابه (القواعد في الفروع).

ثم ابن نجيم(٥) (المتوفى ٩٧٠هـ) الذي وضع كتابه الأشباه والنظائر(٦) الذي استفاد كثيراً من أشباه السبكي والسيوطي الشافعيين اللذين سيأتي التعرف بجهودهما في هذا المجال، حتى إنه نقل عباراتهما في كثير من المواضع بنصّها، وأضاف إليها فروعاً فقهية على وفق مذهبه الحنفي.

(١) طبعت في آخر كتاب (تأسيس النظر) للدبوسي الآتي.

(٢) أبو زيد الدبوسي - نسبة إلى قرية دبوسية قرية بسمرقند، وهو عبيد الله بن عمر بن عيسى القاضي الحنفي، كان من كبار فقهاء الحنفية ممن يضرب به المثل في المناظرة انظر أخباره في الجواهر المضية: ٢٩٢/٢ رقم ٩٢، الفوائد: ١٠٩، وفيات الأعيان (ط إحسان عباس) ٤٨/٣ رقم ٣٣٣ وهو فيه عبد الله، معجم المؤلفين: ٦ / ٩٧.

(٣) طبع بالمطبعة الأدبية بمصر (بدون تاريخ) وفي آخره رسالة الكرخي في الأصول.

(٤) علي بن عثمان الغزي الدمشقي الحنفي صاحب الجواهر والدرر في الفروع. انظر ترجمته في هدية العارفين: ٧٢٦/٢، معجم المؤلفين ١٤٨/٧.

(٥) الشيخ زين العابدين بن إبراهيم بن محمد بن بكر المعروف بابن نجيم صاحب المؤلفات الرائعة، كالبحر الرائق وشرح المنار وغير ذلك. انظر ترجمته وأخباره في شذرات الذهب: ٨/ ٣٥٨، تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان: ٣٣٣/٣، معجم المؤلفين: ١٩٢/٤، بروكلمان (بالألمانية) - الأصل: ٣١٠/٢.

(٦) طبع بتحقيق الوكيل بالقاهرة (مؤسسة الحلبي ١٩٦٨) وقد نال هذا الكتاب من الاهتمام الشيء الكثير فوضعوا عليه تعليقات: أحسنها وأوجزها تعليقة الشيخ العلامة علي بن غانم الخزرجي المقدسي (المتوفى ١٠٣٦هـ) وتعليقة المولى محمد بن محمد المشهور بجوى زادة (المتوفى ٩٩٥ هـ) والمولى علي بن أمر الله الشهير بقنالي زادة أو الحنائي (المتوفى ٩٩٧هـ) والمولى عبد الحليم بن محمد الشهير بأخي زادة (المتوفى ١٠١٣هـ) وغيرهم (كشف الظنون ١/ ٩٨ - ٩٩) والشيخ أحمد بن محمد الحموي الذي سماها غمز عيون البصائر على محاسن الأشباه والنظائر (إيضاح المكنون: ١٤٧/٢) وهو مطبوع بدار الطباعة العامرة: ١٢٩٠هـ.

16

ويعتبر هذا الكتاب أحد الكتب ذات الشأن الجليل في موضوع القواعد لكونه متأخراً ضم تجارب من سبقوه، لذلك رأينا أن نصفه بشيء موجز:

جعل ابن نجيم كتابه على سبعة فنون:

الفن الأول: في القواعد الفقهية، جمع فيه خمساً وعشرين قاعدة، جعل ستاً منها أساسية كالأركان، وتسع عشرة قاعدة أخرى أقل اتساعاً منها.

الفن الثاني: في الفوائد الفقهية مرتبة بحسب موضوعاتها الفقهية على ترتيب كتاب الكنز.

الفن الثالث: في الجمع والفرق بين الأشباه والنظائر، نبّه فيه على أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها.

الفن الرابع: في الألغاز، وهي مسائل أخفى فيها وجه الحكم لقصد الامتحان، مرتبة على الأبواب الفقهية.

الفن الخامس: في الحيل، وهي المخارج الشرعية لمن ابتلي بحادثة يريد لها المخلص من الوجهة الشرعية.

الفن السادس: في الفروق، والمراد بذلك مسائل يشبه بعضها بعضاً مع اختلافها في الحكم لأمور خفية لا يدركها إلا الفقهاء.

الفن السابع: في الحكايات والمراسلات، وفيها نوادر الأقضيات والفتاوى والأسئلة، وفيها وصية الإمام أبي حنيفة لتلميذه أبي يوسف رضي الله عنهما.

ثم جاء من بعده أبو سعيد الخادمي(١) (المتوفى ١١٧٦ هـ)، فوضع كتابه الأصولي (مجامع الحقائق)(٢) ختمه بخاتمة جمع فيها مجموعة من القواعد الفقهية بلغت مائة وأربعاً وأربعين قاعدة، مرتبة ترتيباً أبجدياً، وقد استفاد من ابن نجيم كثيراً.

ثم يأتي دور مجلة الأحكام العدلية(٣) (في الفترة ١٢٨٣ هـ - ١٢٩٦هـ) التي كانت

(١) أبو سعيد الخادمي، محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان الفقيه الحنفي، نسبة إلى خادم من توابع قونية انظر ترجمته في هدية العارفين: ٣١٣/٢، معجم المؤلفين: ٣٠١/١١، الإعلام ط ٤ : ٧ / ٦٨ وفيها مصادر.

(٢) مطبوع مع شرح اسمه منافع الدقائق في المطبعة العامرة بالقسطنطينية ١٣٠٨ هـ انظر معجم المطبوعات لسركيس: ٨٠٨.

(٣) طبعت مجلة الأحكام العدلية طبعتها الأولى سنة ١٢٩٧ هـ في ١٨٥١ مادة ثم طبعت طبعات عديدة منها طبعة في دمشق ط: ٥ مطبعة شعاركو ١٩٦٨ هي التي سنحيل عليها، وشرحت =

17

عبارة عن صياغة للفقه الحنفي على هيئة قانون مدني، استهلت بتسع وتسعين قاعدة، لم يميز فيها بين ما هو أساسي وما هو فرعي.

وبها يصل فن القواعد الفقهية مرحلة من النضوج والاكتمال فقد صيغت هذه القواعد صياغة قانونية بعبارة وجيزة ولفظ محكم، مستفيداً بها من ابن نجيم ومن سلك مسلكه من الفقهاء.

وبالنظر لأهميتها يحسن أن نقف عندها وقفة قصيرة للتعريف بطبيعة هذه القواعد وميزاتها وفائدتها.

جاء في تقرير اللجنة التي صاغتها وقدمتها به إلى الصدر العالي في ما يخص القواعد الفقهية ما نصه:

«فلدى مطالعتكم هذه المجلة يحيط علمكم الواسع بأن المقالة الثانية من المقدمة هي عبارة عن القواعد التي جمعها ابن نجيم ومن سلك مسلكه من الفقهاء رحمهم الله تعالى، فحكام الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد، إلا أن لها فائدة كلية في ضبط المسائل، فمن اطلع عليها من المطالعين يضبطون المسائل بأدلتها، وسائر المأمورين يرجعون إليها في كل خصوص، وبهذه القواعد يمكن للإنسان تطبيق معاملاته على الشرع الشريف، أو في الأقل.

= المجلة شروحاً عديدة منها شرح علي حيدر بالتركية عربه المحامي فهمي الحسيني (ط: المطبعة العباسية بحيفا سنة ١٩٢٥) باسم درر الحكام شرح مجلة الأحكام (وهذه الطبعة هي التي سنحيل عليها)، وشرح سليم رستم باز اللبناني وقد طبع ثلاث طبعات الثالثة في بيروت ١٩٢٣ باسم شرح المجلة وهي التي سنحيل عليها، وشرح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في النجف باسم تحرير المجلة (النجف ١٣٥٩)، وأضاف إليها شيئاً من نفائس القواعد الفقهية المأخوذة من كتب الفقه والقواعد والأصول. وشرح منير القاضي باسم شرح المجلة (بغداد مطبعة التفيض: ١٩٤٢)، وشرح محمد سعيد المحاسني (دمشق ١٩٢٧) وشرح يوسف أصاف في جزءين بعنوان مرآة المجلة، وشرح الشيخ خالد الأتاسي وغير ذلك انظر حسن الفكهاني: موسوعة القضاء والفقه للدول العربية (القاهرة ١٤٠٠/ ١٩٨٠) جـ ٤٣ ص٣ - ٤ وقد رتب قواعدها وشرحها مصطفى أحمد الزرقاء بكتابه المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية في البلاد السورية (ط: ٢ مطبعة الجامعة السورية دمشق: ١٩٥٢) ١/ ٦٣١ - ٧٠٧ ونوّه بأن والده الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا قد شرح قواعدها شرحاً موسعاً، ورتب قواعد المجلة وشرحها أستاذنا العلامة المرحوم محمد شفيق العاني في كتابه الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد في البلاد العربية (ط: معهد الدراسات العربية بمطبعة لجنة البيان العربي القاهرة ١٩٦٥) ص١٠٣ - ١٤١، فلسفة التشريع في الإسلام د. صبحي محمصاني: ٢٩٠.

18

التقريب، وبناء على ذلك لم نكتب هذه القواعد تحت عنوان كتاب أو باب، بل أدرجناها في المقدمة، والأكثر في الكتب الفقهية أن تذكر المسائل مخلوطة مع المبادئ، لكن في هذه المجلة حرر في أول كل كتاب مقدمة تشتمل على الاصطلاحات المتعلقة بذلك الكتاب، ثم نذكر بعدها المسائل البسيطة على الترتيب، ولأجل إيضاح تلك المسائل الأساسية أدرج ضمنها كثير من المسائل المستخرجة من كتب الفتاوى على سبيل التمثيل(١)

وجاء في المقالة الأولى من مقدمتها:

وها قد وقع المباشرة بتأليف هذه المجلة من المسائل الكثيرة الوقوع في المعاملات غبّ استخراجها وجمعها من الكتب المعتبرة، وتقسيمها إلى كتب وتقسيم الكتب إلى أبواب والأبواب إلى فصول، فالمسائل الفرعية التي تصير معمولاً بها في المحاكم هي المسائل التي ستذكر في الأبواب والفصول، إلا أن المحققين من الفقهاء قد أرجعوا المسائل الفقهية إلى قواعد كلية كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، وتلك القواعد مسلّمة معتبرة في الكتب الفقهية تتخذ أدلة لإثبات المسائل وتفهمها في بادىء الأمر يوجب الاستئناس بالمسائل، ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان، فلذا جمع تسع وتسعون قاعدة فقهية، وحررت مقالة ثانية في المقدمة على ما سيأتي، ثم إن بعض هذه القواعد، وإن كان بحيث إذا انفرد يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع، لما أن بعضها يخصص ويقيد بعضاً آخر(٢).

وقد بقيت المجلة ذات تأثير كبير في النواحي الفقهية والعملية، وكان لها صدى كبير في التشريعات العربية الحديثة(٣)، فقد استمدت أغلبية القوانين العربية المدنية منها، واعتمدت على القواعد المذكورة في صدرها، وقد ضم القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ أغلب تلك القواعد(٤)، سنشير إلى مواضعها منه حين شرح تلك القواعد.

(١) مجلة الأحكام العدلية: ١١، درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر: ١١/١، شرح المجلة لسليم رستم باز: ١٢.

(٢) مجلة الأحكام العدلية: ١٦، درر الحكام: ١٥/١، شرح المجلة لسليم رستم باز: ١٧.

(٣) انظر: صبحي محمصاني: الأوضاع التشريعية في الدول العربية ماضيها وحاضرها (ط: ٢، دار العلم للملايين بيروت ١٩٦٢) ص١٧٨ وما بعدها.

(٤) انظر على سبيل المثال المواد: ١ - ٨، ٨١، ١١٨، ١٥٥ - ١٦٦، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٩، ٢١٢ - ٢١٦، ٢٢١، ٢٤٠، ٤٤٤ - ٤٤٨، ٤٦٨ - ٤٧٠ وغير ذلك وهي كثيرة جداً.

19