طبیعت او د طبیعت وروسته: مواد، ژوند، خدای
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
ژانرونه
وعلى ذلك ليس الدماغ عضو الفكر، ولكنه شرط ضروري لتكوين الفكر، من حيث إنه مركز الصور الخيالية المفتقر إليها الفكر ليجرد منها المعاني ويركب الأحكام والاستدلالات. والاستقلال عن الدماغ بهذا المعنى، استقلالا ذاتيا من حيث الوجود ومن حيث الفعل، لا يمنع تبعية خارجية للدماغ. وهذا وجه حق في المذهب المادي لا نريد أن نغفله، فإننا محتاجون إليه للكشف عن أصل المعاني المجردة؛ وإذا أغفلناه اضطررنا إما إلى إنكارها كالحسيين فنقع في خطأ جسيم، وإما إلى وضعها في الفكر ابتداء كالتصوريين دون الاعتراف لها بقيمة موضوعية، وهذا خطأ لا يقل جسامة عن السابق.
وقد لخص ابن سينا هذه النظرية تلخيصا دقيقا رصينا، فقال من جهة واحدة: «لا شيء من المدرك للجزئي بمجرد؛ كل إدراك جزئي فهو بآلة جسمانية؛ والخيال لا يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية فيه في جسم.» وقال من جهة أخرى: «لا شيء من المدرك للكلي بمادي. إن الجوهر الذي هو محل المعقولات ليس بجسم ولا قائم بجسم على أنه قوة فيه أو صورة له بوجه (وإنما هو مجرد).» و«تعقل القوة العقلية ليس بآلة جسدية، فإنه ليس بينها وبين ذاتها آلة، ولا بينها وبين أنها عقلت، ولكنها تعقل ذاتها وأنها عقلت، فإذن إنما تعقل بذاتها مع العلم بأن الحس لا يحس ذاته، ولا الخيال يدرك آلته.»
4
فليست نفس الحيوان مجردة أو روحانية؛ لأنها لا تدرك المجرد، وإن إدراك المشخص هو دائما بعضو جسماني متحد بالقوة المدركة؛ ونفس الإنسان تدرك المجرد، فهي مجردة غير متحدة بعضو.
هذه النفس المجردة الروحانية، هل هي جوهر قائم بذاته، كالملاك في تصور أفلاطون وديكارت؟ أم هي صورة الجسد تؤلف وإياه موجودا واحدا هو الإنسان، كما تتألف سائر الماديات من هيولي وصورة، ثم تعود الصورة إلى الكمون بانحلال التأليف؟ لقد طال الخلاف واشتد بين الأفلاطونيين وفريق من الأرسطوطاليين من جهة، وبين فريق آخر من هؤلاء يقال: إنهم اتبعوا ابن رشد. غير أن ما سبق لنا قوله من أن الإنسان طبيعة متوسطة بين الروح الخالص والحيوان الأعجم، يعني هنا أن نفسه روح تقوم بمهمة الصورة الجسدية. فالآراء في هذه المسألة ترجع إلى ثلاثة: الرأي الأفلاطوني، وهو روحانية حاسمة مسرفة؛ والرأي الرشدي، وهو وإن قال بوجود نفس ناطقة، إلا أنه سائر مع المادية ومسرف من الناحية المقابلة؛ ورأي الأرسطوطاليين المتوسطين المعتبرين النفس الناطقة جوهرا معطيا الجوهرية ما دامت متصلة بالجسد ومكملة له حتى يصير إنسانيا. «الأنفس الإنسانية متفقة في النوع والمعنى» من حيث إن الصورة مجردة والمادة هي المتشخصة: فكيف تتشخص كل منها بأعراض خاصة، وتتميز بعضها من بعض بعد مفارقتها للبدن؟ يحدث التشخص من جهة «نسبة النفس إلى البدن»، فإن الأنفس تنفرد باختلاف أبدانها وأزمنة حدوثها وسائر هيأتها.
5
هذا رأي ابن سينا، وهو الذي يبدو صوابا: تتباين الأنفس في مختلف أحوالها، مع اتفاقها بالماهية، وتتفاوت كمالا بتفاوت الأجسام في الكمال، تبعا لأحوال الوالدين البدنية والمعنوية، وحال الجنين في تأثره بجميع العوامل، ومجاوبات كل نفس على المؤثرات.
وهذه النفس الروحانية ما أصلها؟ قلنا: إن النفس النامية والنفس الحاسة تخرجان من قوة المادة. ولا نستطيع أن نقول مثل هذا عن النفس الناطقة؛ فإنها أرفع من المادة، ومضادة لها بالطبيعة، فلا تخرج منها ولا تعود إليها. ولا سبيل إلى إثبات رأي أفلاطون من أن الأنفس الأرضية صنع أنفس الكواكب من مزاج وزعه عليها الإله الصانع؛ وهذا الرأي أقرب إلى الأسطورة منه إلى الفلسفة. ولئن كان أرسطو صاحب القول بأن الصور الطبيعية تخرج من قوة المادة وتعود إليها، فإنه يستثني العقل أو النفس الناطقة، فيقول: إنها تأتي من خارج؛ ولئن كان لم يعين هذا الخارج فإن عبارته تنأى به عن زمرة الماديين، وتحشره في زمرة الروحانيين المعتدلين، أولئك القائلين بنفس روحانية هي صورة للبدن. وقال ابن سينا: «تحدث النفس كلما حدث البدن الصالح لاستعمالها إياه.»
6
غير أن البدن يحدث - فيما يرى - بتكون العناصر الأرضية الخاضعة للحركات السماوية، فكأنه اعتقد بكفاية العناصر، ولو بفضل الموجودات العلوية، أو بكفاية هذه الموجودات، لإيجاد الأنفس بطريق غير مباشر، وهذا الرأي يعطي كثيرا لأنفس الكواكب، بل يسند إليها خلق الأنفس الإنسانية كغيرها من الأنفس الأرضية، وسنقول الآن: إن الخلق غير مقدور لمخلوق ما، فلا الحيوان يخلق بدن الحيوان بالميلاد، ولا الإنسان يخلق بدن الإنسان بأي نحو كان.
ناپیژندل شوی مخ