طبیعت او د طبیعت وروسته: مواد، ژوند، خدای
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
ژانرونه
فإذا ما اتجهنا صوب المذهب الدينامي المنكر لموضوعيته الامتداد، سألنا: من أين جاءنا هذا الوهم وليس فينا ولا في الأشياء امتداد؟ قلنا ونكرر القول: ليس الممتد مركبا من غير الممتد، ومهما أضفنا البسيط إلى البسيط فلن نؤلف مادة، كما أن إضافة الأصفار إلى الأصفار لا تؤلف واحدا، وأن النقط البسيطة - إذا تماست - لا تؤلف مركبا، بل تحتل كلها نقطة واحدة. وحين يقول الرياضيون، أو أشباه الرياضيين، إن الخط مركب من نقط غير ممتدة، فكذلك الأجسام مركبة من مونادات، نجيب أن هذا التعبير ينقصه شيء كثير من الدقة، فليس للنقطة وجود واقعي، وليس الخط إذن مركبا من نقط؛ وإنما الرياضيون يفترضون خطا حادثا عن نقطة متحركة، ولا يحدث خط متصل إلا لوجود مكان متصل تتصل فيه الحركة فيحصل اتصال الخط. فالامتداد أو الاتصال سابق بالطبع على الحركة، وإلا لم تستطع النقطة أن تتحرك. يقول ليبنتز إن الامتداد تصور بحت ينشأ في الذهن من إدراك مونادات عدة متقارنة في الوجود، فهو «نسبة» بينها. وجوابنا عين الجواب السالف: أعني أن هذه النسبة تفترض المكان ولا توجده، وكذلك نقول للديناميين الذين يعللون حدوث فكرة المكان بحركات جذب ودفع، أعني أنه لو لم يكن المكان موجودا استحالت هذه الحركات.
الكمية والمكان إذن شرط الحركة، فمنكرهما منكر لها ضرورة. غير أن الديناميين لا يلتزمون بهذه الضرورة، بل يتحدثون عن الحركة بأنها الظاهرة الكبرى في الطبيعة، وأن بها تعلل سائر الظواهر، كما يتحدث الآليون ، خشية أن يمتنع عليهم العلم الطبيعي، وما أقوى سحر العلم الطبيعي في العصر الحديث! وهذا افتئات صريح على المنطق، يدل على بطلان مبدئهم الذي يفضي بهم إلى هذا التناقض الظاهر. والآليون من جهتهم لا يكتفون بإثبات الحركة، بل يدفعون بمذهبهم فيها إلى أقصى حد، وذلك بما يسمونه مبدأ القصور الذاتي القائل: «إن كل جسم فهو مستمر في حاله من سكون أو حركة مستقيمة راتبة إلا أن يتأثر بجسم آخر.» ويرتبون على هذا المبدأ نتيجة خطيرة هي: إذا افترضنا جسما يقذف في الخلاء فإنه يستمر في حركته إلى ما لا نهاية. ويرتبون على هذه النتيجة نتيجة أخرى أعظم خطورة، وهي: أن العالم لما حركه الله مضى في الحركة دون حاجة إلى الله، فإن من شأن القصور الذاتي أن يجعل الحركة آلية، ويغني عن المحرك بعد أن كان محتاجا إليه فقط للانتقال من حال السكون إلى حال الحركة.
ولنا على هذه النظرية ردان؛ أحدهما خاص بالأجسام الطبيعية، والآخر خاص بالله، فنقول أولا: إن هذا المبدأ لم يستخلص من الواقع، فليس في تجربتنا خلاء صرف ننظر فيه إلى الحركة إن كانت غير متناهية، بل ما نشاهده بالفعل هو أن حركة الأجسام تسكن في جونا بسبب مقاومة الهواء. ومن جهة ثانية أن قوة التحريك محدودة - من غير شك - بقوة المحرك وبكفاية المتحرك لقبولها؛ وإذن فقوة التحريك نافذة لا محالة، ومتى نفدت سكتت حركة المتحرك لانعدام فعل المحرك. ونقول ثانيا: إن الجسم الطبيعي محدود الكفاية، فلا يمكن أن يقال: إن العالم يقبل من الله حركة غير متناهية تغنيه عن الله؛ بل المعقول أنه يقبل تحريكا متناهيا، فتكون حاجته إلى المحرك، ليس فقط لتوليد الحركة، بل أيضا إلى تجديدها واستمرارها؛ ومن غير المعقول أن يتحرك الجسم إلى ما لا نهاية بقوة متناهية.
والبحث في الحركة يؤدي إلى البحث في الزمان، فإن الزمان «عدد الحركة» أو أن الحركة قابلة للعد بحسب تعاقبها. وكثير من الفلاسفة - فضلا عن الجمهور - تخيلوا الزمان لا متناهيا كليا ضروريا: فاليونان منهم كافة - إذ كانوا يجهلون أو ينكرون فكرة الخلق - اعتقدوا أن المادة أزلية أبدية، فنتج لهم أن الزمان أزلي أبدي، أي: لا أول له ولا آخر؛ بعضهم قالوا بذلك انقيادا للمخيلة، وبعضهم ادعى ثبوته عقلا، مثل أرسطو الذي أجل الله عن التنزل إلى العلم بالمادة والتأثير فيها؛ ومنهم ديكارت بعقليته الرياضية، ثم سبينوزا بمذهبه في وحدة الوجود، ثم نيوتن وكلارك، وقد بلغ الأمر بهؤلاء الثلاثة إلى جعل الزمان والمكان صفتين من الصفات الإلهية.
والحقيقة أن الزمان متناه لتناهي مدة العالم وحركته، فإن العالم حالما يوجد وحالما تبدأ حركته، ينفصل عن عدم الوجود السابق بآن واحد هو آن وجوده، ثم يأخذ في التحرك، فيبدأ الزمان، ولا أهمية بعد ذلك للفحص عما إذا كانت الحركة تستمر أو تنتهي ما دامت النهاية قد بانت في الأول. والحقيقة من جهة ثانية أن فكرة الزمان مكونة باشتراك العقل والتجربة: فأول إدراك للزمان هو إدراك «الزمان الذاتي»، أي الشعور بالديمومة واتصال الوجود في شخصنا، وفيما حولنا من الناس والأشياء. اتصال الوجود مدة تتعاقب فيها أفعالنا، وتبين في عاداتنا البدنية والمعنوية، وفي آفاتنا البدنية الناتجة عن الوراثة والمرض والإفراط، وفي ذكرياتنا التي تساعدنا على فهم التجربة الحاضرة واستكمالها. ومن المستحيل قياس هذه المدة قياسا مباشرا واقعا على الحالات التي تملؤها؛ وذلك لأن شعورنا بها متقطع متفاوت، فقد لا نشعر بكثير منها، وقد لا نشعر بها على حد سواء، فمنها ما يهمنا ويستغرق انتباهنا فيطغى على غيره، وتبدو مدته قصيرة؛ ومنها ما يهمنا قليلا أو كثيرا، فيتفاوت شعورنا بمدته.
وأصغر جزء في الزمان الذاتي هو «الآن النفسي» أو مدة الظاهرة التي نوليها انتباهنا؛ ويدوم هذا الحاضر حتى تعرض ظاهرة تستغرق الانتباه فيذهب، أي يصير ماضيا. والحاضر الواقعي يمكن أن يدوم من أربعة أخماس الثانية إلى اثنتي عشرة ثانية. وهو مدرك كأنه كلي لاستيعاب الانتباه أمورا عدة، ولو أنه يتضمن تعاقبا، فإن من الثواني ما يتقدم فيلحق بالماضي، ومنها ما يتأخر فينتظر في المستقبل. وبين الماضي والمستقبل ثانية حاضرة تصل هذا بذاك كنقطة غير متجزئة؛ وهي أيضا زمان لسيلانها وعدم ثباتها. وإذن فنحن نشعر بالزمان بوساطة التعاقب، ولكنه تعاقب غير منتظم.
فلجأ الإنسان إلى قياس غير مباشر باستخدام بعض الحركات الراتبة إما في جسدنا كالجوع والعطش والنوم والتعب والنبض والتنفس والمشي، وإما في الخارج كحركة الشمس والقمر والمزولة والساعة؛ وهذا النوع الثاني أدق بكثير، وبخاصة حركة الشمس، أو ما يسمى كذلك؛ إذ المقصود هنا حركة الأرض حول الشمس كما هو معلوم، فإن فصول السنة متوقفة عليها، وأيام السنة عائدة في مواعيدها من هذه الفصول؛ فحصل الإنسان بها على زمان عام لنظامنا الفلكي، ولكنه زمان نسبي؛ إذ إن نظامنا الفلكي جزء صغير من الفلك أجمع يكاد لا يذكر، وأهل العصر القديم والعصر الوسيط هم الذين كانوا يحسبونه جملة العالم، ويظنون أن المتحرك الأول هو الفلك المحيط في نظامنا البادي للعيان. وقد أبطل العلم الحديث هذا التصور باستكشافه أنظمة فلكية كثيرة، فوسع آفاقنا به، ولكنه لم يتوصل بعد إلى الإلمام بأطراف الكون وتعيين مركزه، حتى نعتبر حركة هذا المركز حركة أولى إطلاقا، ونتخذ منها معيارا تتقدر به سائر الحركات. فنحن لم نحصل بعد على «الزمان المطلق». ولو حصلنا عليه لما كان مطلقا إلا بمعنى أنه زمان العالم الواقعي، وفي مقدورنا أن نتصور عالما أكبر أو عالما أصغر تختلف فيهما النقطة المركزية.
ففكرة الزمان فكرة نسبية للغاية مكونة تكوينا؛ ويخطئ كل من يتخيل الزمان شيئا واحدا أو معنى واحدا أصيلا فطريا في الذهن. إن الموجود منه بالفعل في كل آن هو «الآن» الميتافيزيقي، أي أدنى جزء يتجدد باستمرار طوال جريان الحركة، ويمكن تصوره على غرار الآن النفسي كما شرحناه، إلا أنه ليس مثله ممتدا، وإنما هو واسطة بين الماضي والمستقبل، هو الحد الأخير بالنسبة إلى الماضي، والحد الأول بالنسبة إلى المستقبل. «لا يدخل في الوجود المتحرك من الزمان في الحقيقة إلا الآن.»
11
فإذا بدا الزمان متصلا قائما بجميع أجزائه، أو بجميع أجزاء الماضي على الأقل، ففي ذهننا فقط أن الماضي قد فات، والمستقبل لما يأت بعد، وأجزاء الزمان متتالية لا توجد معا كوجود أجزاء المتصل القار بها جميعها. فالزمان موجود ذهني له أساس في الواقع هو الآن، ولا مقابل له، ولا يمكن أن يوجد له مقابل على ما يبدو في الذهن. ولولا العقل لما كان لنا معنى الزمان، فإن العقل أو الذاكرة العقلية هو الذي يستحضر الماضي مجتمعا، ويتوقع المستقبل مجتمعا، ويكون منهما متصلا واحدا تتقدر به الحركات على اختلافها،
ناپیژندل شوی مخ