طبیعت او د طبیعت وروسته: مواد، ژوند، خدای
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
ژانرونه
ومن الأدلة القاطعة على وحدة الذرة: وزنها النوعي، وألفتها الكيميائية، وما يتبع هذه الألفة من تغير جوهري. الوزن النوعي خاص بكل ذرة، ثابت لها، والذرات متفاوتة في المقدار، ومع ذلك هي غير منقسمة من جهة ما هي ماهية معينة، وإذا انقسمت مادتها تغيرت هذه الماهية، فلو كانت الأجسام امتدادا وحسب لانقسمت دون أن يعتريها تغير، إن ذرة الزئبق تزن مائة ضعف وزن ذرة الهيدروجين، فلم كان كلاهما غير منقسم؟
والألفة الكيميائية آية من آيات الغائية الباطنة المركوزة في الكائن نفسه، فإن لكل عنصر ميلا خاصا إلى عنصر آخر أو عناصر أخرى معينة دون غيرها. والعناصر المتآلفة قابلة للامتزاج بحيث يتكون منها جسم جديد بكافة خصائصه. وهذا الامتزاج لا يحدث اتفاقا كما تقدم، بل كأنه نتيجة ميل واختيار، إن جاز هذا التعبير بخصوص الموجودات غير الحاسة غير المختارة، بخلاف الحال في «الخليط» حيث يجتمع من الأشياء ما نشاء ويحتفظ كل منها بوجوده وطبيعته، كالماء والخمر، أو العسل والطحينة، يختلطان فيؤلفان شيئا وسطا نستشعر فيه كلا منهما بالآخر، على حين أن «المزاج» متجانس لا أثر فيه لأصوله الممتزجة، مثلما كل جزء من الماء هو ماء. فالخليط من باب الطبيعة، والمزاج من باب الكيمياء. أليس يستحق هذا الفرق تفسيرا غير ذلك الذي يعرضه الآليون باعتمادهم على ترتيب الذرات بعضها من بعض؟ لو كانت المادة امتدادا وحسب لعاد كل امتزاج خلطا، ولم يكن هناك مزاج أصلا.
تلك بعض الاعتراضات التي توجه للمذهب الآلي. وسنعقبها بأخرى، خصوصا حين نبحث في الكائنات الحية ووظائفها النامية والحاسة والناطقة، فما من مسألة من المسائل الفلسفية إلا وله دخل فيها، وأشياعه يعدونه مذهبا عاما في الطبيعة عامة. على أنا نريد أن نبدي هنا ملاحظة تنصفه وتحدد وجه معارضتنا له، فلا يتهمنا أحد بالتجني عليه؛ ذلك أنه إن كان خاطئا في تكوين المادة، كما ندعي، فقد يمكن اعتباره مطابقا للواقع من حيث وصف الكائنات ووصف «أعضائها» التي تفعل بها، ووصف جريان أفعالها : وهذا هو نصيب الحق في رد العلوم الطبيعية إلى المادة والحركية، وعد العلم الطبيعي الرياضي صورة للعالم، دون أن يعد هذا الرد تحقيقا للمذهب وبرهانا في صالحه؛ إذ إن هذه الوجهة ثانوية في الحقيقة، بينما الوجهة الأولية هي التكوين الميتافيزيقي: فالفسيولوجيون مثلا يبنون علمهم على تكوين الأعضاء وترتيب أفعالها، وهذا جائز، بل واجب، ولكنهم يستبعدون النظر في طبيعة الحياة وغائية أفعالها، على ما سنبين فيما بعد، وهذا غير جائز؛ إذ إن مهمة الفلسفة الكشف عن العلل الأخيرة والأصول الأولى. وهكذا نقول في كل طائفة من العلماء تنتهج هذا المنهج؛ والوجهة الأولية هي التكوين الميتافيزيقي؛ فنقدنا له هو من هذه الوجهة، أي: باعتباره المذهب المادي المنكر للماهيات والمستعيض عنها بتركيب أجزاء مادية تركيبا عرضيا. إن القضية التي ندافع عنها هي أن المادة تنتظم من «طابقين»: أحدهما سفلي هو الآلية، والآخر أعلى، وهو الغائية. (4) المذهب الهليومورفي
خلص لنا مما تقدم دعويان ضد الآلية، وهما على جانب كبير من الأهمية، ولو أن التجربة تظهرنا عليهما في كل وقت، ولكن الفلاسفة الذين يرتابون في البديهيات كثير، فلا نجد بدا من السعي وراءهم وتبرير البديهيات بقدر ما يسمح المقام، والبديهيات لا تبرر. إحدى الدعويين وجود كائنات مختلفة بالنوع، والأخرى وجود تغيرات جوهرية. الدعوى الأولى يلزم منها أن الكائنات تتشابه من وجه، هو وجه المادة والكمية، وتتخالف من وجه، هو وجه الماهية. وعلى ذلك فكل جسم هو مركب. وهذه النتيجة عينها تلزم من الدعوى الثانية: فإن الكائن المتغير لا يمكن أن يكون بسيطا، ومعنى التغير أن شيئا منه باق، وأن شيئا منه تغير، وإلا لم يكن الحال تغيرا، بل كان إعدام كائن وخلق كائن، أي: إرجاع التغير إلى القدرة الإلهية، وسلب الفعل والعلية من المخلوقات، والآليون متفقون معنا في نبذ هذا الرأي وقد فندناه في كتاب «العقل والوجود». فالتغير الجوهري يقتضي موضوعا باقيا، ومبدأ يتم التغير بظهوره في الموضوع أو اختفائه منه.
وذلك مذهب أرسطو، فإنه يتصور الجسم الطبيعي مركبا من مادة ومن مبدأ يرد المادة إلى الوحدة ويعطيها ماهية معينة، ويسمي المادة بالمادة الأولى أو الهيولي تمييزا لها عن المادة الثانية الداخلية في المصنوعات، ويسمي المبدأ المعين بالصورة «مورفي» باليونانية فدعي مذهبه بالفرنسية
Hylémorphisme
وبالإنجليزية
Hylomorphisme
أي: مذهب الهيولي والصورة. وقد رأينا أن نصطنع هذا اللفظ المركب ولو أنه لم يرد بهذا الشكل في العربية. وهذا المذهب يفسر وقائع التجربة تفسيرا وافيا: فالهيولي أو المادة أصل امتداد الجسم في المكان، والصورة أصل وحدته وخصائصه الذاتية، المادة أصل تكثر الأفراد في النوع الواحد واختلافهم في الأعراض، والصورة أصل اتفاقهم في الماهية، فإن كثرة الأفراد في النوع الواحد تعني أنهم متفقون في شيء هو علة تشابههم، ومختلفون في شيء هو علة تمايزهم، أي إن كلا منهم مركب من شيئين كما قلنا، فيظهر هذا التركيب في التغيرات الجوهرية كما بينا. وتدل الملاحظة على أن ثقل الجسم المائي يساوي ثقل العنصرين المركب منهما، وهذا شاهد المادة، وأن في هذا التركيب شيئا جديدا غير طبيعة الهيدروجين وطبيعة الأوكسجين، يتحد بها فيوجد منهما الماء، وهذا شاهد الصورة. ويقال مثل ذلك في كل تركيب جوهري، سواء أكان في الجماد أو في الكائن الحي.
لأجل فهم هذه النظرية على حقيقتها يجب الاحتراز من بعض التخيلات التي تتبادر إلى الذهن وتفسد فهمنا: يجب الاحتراز من تصور الصورة كأنها الشكل الخارجي بأقطاره الثلاثة، كما قد يوهم هذا اللفظ حين يسمعه المبتدئ في الفلسفة: الشكل عرض، والصورة المقصودة هنا تعين المادة الأولى، وتجلب لها جميع الخصائص والأعراض. والصورة هي «الفعل الأول للهيولي» أي: ما يعينها أولا، تتحد بها وتكون معها جسما معينا.
ناپیژندل شوی مخ