فوائد منهج خليفة في طبقاته:
يفيدنا نهج خليفة في تقسيم الطبقات حسب القبائل في معرفة قبائل كل مصر من الأمصار، وبكلمة أخرى نستطيع أن نتعرف إلى حركة انتشار القبائل العربية وتوزيعها جملة وتفصيلًا؛ ذلك أن خليفة يترجم لرجاله، ليس فقط حسب قبائلهم الكبيرة، وإنما حسب أصغر الأفخاذ والفصائل. ومن عادته أن يذكر نسب المترجم كاملًا حتى أعلى أجداده، وبهذا يصبح الكتاب -بالإضافة إلى كونه كتاب طبقات- كتاب أنساب. وخليفة كما وصفه المؤرخون محدث، مؤرخ، نسابة.
وهذا المنهج يفيد أيضًا في دراسة التاريخ، وخاصة تاريخ بني أمية. إذ كان للعصبية القبلية فيه شأن كبير، وعندما يعرف المؤرخ قبائل كل إقليم في الدولة يستطيع التوصل إلى حل كثير من المعضلات، ويقف على التيارات السياسية وأسرار الحوادث، وفي هذا ما فيه من جليل الفائدة.
ويظهر أن خليفة كان يحرص ألا يفوته ذكر أي قبيلة من القبائل النازلة في الأمصار، حتى التي لم يعرف فيها محدثون، فكان إذا ما ذكر واحدة من هذه القبائل قال: "ليس فيها أحد" يعني من حملة الآثار.
ومن عادة خليفة -حين يترجم للصحابي- أن يذكر الأحاديث التي رواها هذا الصحابي، ولكن لا يثبت نص الحديث كاملًا، وإنما يشير إليه أو يذكر مطلعه وموضوعه.
والغالب على تراجم خليفة لرجاله أنها مقتضبة، فهو يذكر اسم المترجم ونسبه ونسب أمه، وسنة وفاته ومكانها، وأحاديثه دون الإلمام بشيء عن حياته، وتكاد تراجمه للتابعين تكون مجرد تعداد لهم في طبقاتهم، دونما جرح وتعديل كما يفعل غيره.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اهتمام خليفة بذكر أمهات رجاله وأنسابهن له عظيم الفائدة، فهو يمكننا من التعرف على الصلات بين القبائل؛ لأن التزاوج بين قبيلتين يعني في معظم الأحيان وجود التعاون والتحالف بينهما.
ونجد في الكتاب فائدة اجتماعية، فهو يؤرخ دخول المرأة الأجنبية البيت العربي، وبدء حلول الأمة مكان الحرة، وكيف تدرج وازداد، فقد نلحظ في
1 / 14