وَقد أبْقَتْ صُرُوفُ الدَّهر مني ... كما أبقتْ من السَّيْفِ اليَمَاني
قال الشريف المرتضى، في كتابه " غُرر الفوائد، ودُرر القلائد ": إن أيام الخُنان أيام كانت للعرب قديمة، هاج بهم مرض في انوفهم وحلوقهم.
قلت: وهو بضم الخاء وفتح النون، وقد يشتبه بالخِتان، بكسر الخاء والتاء المثناة من فوق.
وكانت العرب تؤرخ بالنجوم، وهو أصل قولك: نَجَّمتُ على فلان كذا حتى يُؤديه في نجوم. وأول من أرخ الكتب من الهجرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، في شهر ربيع الأول، سنة ست عشرة، وكان سبب ذلك، أن أبا موسى الأشعري ﵁، كتب إلى عمر ﵁: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل، قد قرأنا صكًا منها محلة شعبان فما ندري أي الشعبانين، الماضي أو الآتي. فعل عمر رضي الله تعالى عنه على كتب التاريخ، فأراد أن يجعل أوله رمضان، فرأى أن الأشهر الحرم تقع حينئذ في سنتين، فجعله من المُحرم، وهو آخرها، فصيره أولًا لتجتمع في سنة واحدة.
وكان قد هاجر ﷺ يوم الخميس، لأيام من المحرم، فمكث مُهاجرًا بين سير ومقام مُدة شهرين وثمانية أيام.
فصل
تقول العرب: أرخت وورخت، فيقلبون الهمزة واوًا، لأن الهمزة نظير الواو في المخرج، فالهمزة من أقصى الحلق، والواو من آخر الفم، فهي تحاذيها، ولذلك قالوا في وعد: أعد، وفي وجوه: أجُوه، وفي أثؤب: أثوب، وفي أحد: وحد. فعلى ذلك يكون المصدر تاريخاوتوريخا بمعنى.
وقاعدة التاريخ عند أهل العربية أن يؤرخوا بالليالي دون الأيام؛ لأن الهلال إنما يُرى ليلًا، ثم إنهم يُؤنثون المذكر ويذكرون المؤنث، على قاعدة العدد؛ لأنك تقول: ثلاثة غلمان، وأربع جواري.
إذا عرفت ذلك، فإنك تقول في الليالي ما بين الثلاث إلى العشر: ثلاث ليالي، وأربع ليالي، إلى بابه.
وتقول في الأيام ما بين الثلاثة إلى العشرة: ثلاثة أيام، وأربعة أيام، إلى بابه.
وأما واحد واثنان، فلم يُضيفوها إلى مميز، فأما ما جاء من قول الشاعر:
كأنَّ خُصْيَيْه مِن التَّدَلدُلِ ... ظَرف عجُوزٍ فيه ثِنتا حَنظَلِ
فبابهُ الشعر، وضرورة الشعر لا تكون قاعدة، وإنما امتنعوا من ذلك؛ لأنه يكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه؛ فإنك إذا قلت: اثنا يومين، أو واحد رجل، فاليومان هما الاثنان، والواحد هو الرجل، وإذا قلت: يومٌ ورجلان. فقد دللن على الكمية والجنس، وليس كذلك في أيام ورجال، فيما فوق الثلاثة؛ لأن ذلك يصح على القليل والكثير، فيُضاف العدد إليه لتعلم الكمية.
وأضافوا العدد من الثلاثة إلى العشرة إلى جموع القِلة، فقالوا: ثلاثة أيام، وأربعة أحمال، وخمسة أشهر، وستة أرغفة، ولا يورد هاهنا قوله تعالى: (ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ)، لأنه ميز الثلاثة بجمع الكثرة؛ لأن المعنى كل واحد من المطلقات تتربص للعدة ثلاثة أقراء، فلما كان مجموع الأقراء من المطلقات كثيرًا ميز الثلاثة، بجمع الكثرة، ولا يُضاف عدد أقل من ستة إلى مُميزين؛ ذكرٍ وأنثى؛ لأن كل واحدٍ من المميزين جمع، وأقل الجمع ثلاثة.
وقالوا في العدد المركب من بعد العشرة إلى العشرين، وهو أحد عشر وبابه: إحدى عشرة ليلة، وما بعده إلى العشرين، بإثبات التأنيث في الجُزءين من إحدى عشرة، واثنتي عشرة، وحذف التأنيث من الجزء الأول في الباقي للمؤنث. وأحد عشر يومًا، واثنا عشر يوما، وثلاثة عشر يوما، وما بعده إلى العشرين، بخلو الجزءين الأولين من التأنيث وإثباته في الجزء الأول لما بعده في المذكر، والحجازيون يسكنون الشين في عشرة، وبنو تميم يكسرونها.
وميزوا ما بعد العشرة إلى العشرين وما بعدها من العُقود إلى التسعين، بمنصوب فقالوا: أحد عشر كوكبًا وأربعين ليلة، وأتوا بواو العطف بعد العشرين، ومنعوها بعد العشرة إلى العشرين، فقالوا: أحد وعشرون، وأحد عشرة، وقالوا: مائة يوم، ومائتا يوم؛ فجعلوا المميز من المائة إلى الألف وما بعده مُضافًا، ولم يُجروه مُجرى ما بعد العشرة إلى التسعين.
وقالوا: ثلاثمائة وأربعمائة. وبابه، فميزوه بالمفرد، ولم يميزوا بالجمع، وقالوا: ألف ليلة. فأجروا ذلك في التمييز مُجرى المائة.
فائدة
1 / 4