وينبغي لمن نزع إلى هذا النزع وطلب هذا العمل الأرفع ، آن يتعرف مناقب السلف والأخبار ، ويحصل سيرهم الصالحة ليقتدي بحميد تلك الآثار ، فإن ذلك مما يقوى الرغبة والاشتياق (1) والحرص على المصير إلى تلك المنازل السنية واللحاق ، ويخص على الطريق الأثوم ، وينهي عن أهواء الهاون في هواء الخسران والندم ، فما أتقمن من عرف طريق الصلاح ان يتبعه ! وما أقبح من جهة أن يضيعه ! وقد استمرت عادة اصحابنا ان اول ما يمرن عليه المبتدئ أذا وصل ، السكينة والوقار وتعليم سير السلف ، لتكون لهم على اتباعهم معينة ، فإاذ أكتسى تلك السلف تلك الحلة قلما بدلها ، ثم بعد ذلك " ما يفتح الله الناس من رحمة قلما بدلها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " . فالله ينفعهم وينفع بهم في الدنيا والدين ، ويجعلنا لآثارهم مقتدين ، لا مبدلين ولا مغيرين وينقذنا برحمته اجمعين ، وهو ارحم الراحمين كتاب ابى زكرياء يحيى بن ابى بكر رضى الله عنه (2)استخلص ذلك وانتقيه فبادرت لاجابة سؤاله ايجابا لعظم حرمة السؤال وان كان ينبغى ان اكون ممن استغفى واستقال فرأيت عصيانه من النكير بل المحظور ، فأخذت في تهذيب الكتاب المذكور واضيف إلى ذلك ما لا بد منه من خطبة وشعر غير مشهور ، على انى معترف بالقصر والفهامة ، وراغب في الاغضاء من ذوى الفطان والنباهة متيقن ان الماء يطيب بطيب موارده ، وان كان اجاجا ، وقد يعود مرا معافا وان كان عذبا ثجاجا ، ولا شك انى قصدت الفن الذي بدأت بذكره لم احفل بعيب عائب ، ولا بشكره فان ظفرت بموافقة من اجيب سؤاله فقد ظفرت بالمرغوب ، فان قصرت فلا غرو لابطاء السكيت (3)عن شاء المجلى والله اسأله . التوفيق والارشاد إلى سواء الطريق ، وقد رأيت ان اقدم مقدمة تكون فراشا للكتاب ، تفهم منها ألفاظ اصطلح عليه اصحابنا المتأخرون ، وفيها عند من لا يعرفها اضطراب ، ثم آتى بتسمية مشائخها وذكر طباقتهم خلفا عن سلف ، على ترتيب يتأتى بيانه ، ليتم المقصود ويتألف ، ثم اجرد السيرة وانقلها من الكتاب المذكور ، على حسب ما وقعت فيه ، وما كان في ألفاظه خشونة نقلت معانية فيكون نفهم ما سئلت سهلا على قارئه .
----------------------------------------------
(1) في نسخة : الاستيثاق
(2) يشر الى تاريخ أبي زكرياء يحي بن أبي بكر الذي لا زال مخطوطل وهو اصل هذا الكتاب
(3) السكيت بصيفة التصغير : آخر الخيل في الحلبة عكس المجلى
مخ ۵