ساعة! ما هذا الحرص على الراحة الموهومة وحياتكم كلُّها تعبٌ ونصَب! هل لكم في هذا الصَّبر فخرٌ أو لكم عليه أجر؟ كلاّ؛ واللهِ ساء ما تتوهمون، ليس لكم إلا القهر في الحياة، وقبيح الذِّكر بعد الممات؛ لأنَّكم ما أفدتم الوجود شيئًا. بل أتلفتم ما ورثتم عن السّلف وصرتم بئس الواسطة للخَلَف. ألستم يا ناس مديونين للأسلاف بكلِّ ما أنتم فيه من الترقّي عن إنسان الغابات؟ فإذا لم تكونوا أهلًا للمزيد فكونوا أخلًا للحِفْظ، وهذه العجماوات تنقل رقيها لنسلها بأمانة".
"يا قومُ: حماكم الله، قد جاءكم المستمتعون من كلِّ حدبٍ ينسلون، فإن وجدوكم أيقاظًا عاملوكم كما يتعامل الجيران ويتجامل الأقران، وإن وجدوكم رقودًا لا تشعرون سلبوا أموالكم، وزاحموكم على أرضكم، وتحيَّلوا تذليلكم، وأوثقوا ربطكم، واتَّخذوكم أنعامًا، وعندئذٍ لو أردتم حراكًا لا تقوون، بل تجدون القيود مشدودةً والأبواب مسدودة لا نجاة ولا مخرج".
"يا قومُ: هوَّن الله مصابكم، تشكون من الجهل ولا تنفقون على التعليم نصف ما تصرفون على التدخين، تشكون من الحكَّام، وهم اليوم منكم، فلا تسعون في إصلاحهم، تشكون فقد الرابطة، ولكم روابط من وجوهٍ لا تفكِّرون في إحكامها. تشكون الفقر ولا سبب له غير الكسل. هل ترجون الصَّلاح وأنتم يُخادع بعضكم بعضًا ولا تخدعون إلا أنفسكم؟. ترضون بأدنى المعيشة عجزًا تُسمّونه قناعة، وتهملون شؤونكم تهاونًا تُسمّونه توكُّلًا!