محضُّ نماء يشبه الأشجار الطبيعية في الغابات والحراش، يسطو عليها الحرق والغرق. وتحطِّمها العواصف والأيدي القواصف، ويتصرَّف في فسائلها وفروعها الفأس الأعمى، فتعيش ما شاءت رحمة الحطّابين أن تعيش، والخيار للصُّدفة تعوج أو تستقيم، تثمر أو تعقم.
يعيش الإنسان في ظلِّ العدالة والحرية نشيطًا على العمل بياض نهاره، وعلى الفكر سواد ليله، إن طعم تلذَّذ، وإن تلهّى تروَّح وتريّض؛ لأنّه هكذا رأى أبويه وأقرباءه، وهكذا يرى قومه الذين يعيش بينهم. يراهم رجالًا ونساءً، أغنياء وفقراء، ملوكًا وصعاليك، كلُّهم دائبين على الأعمال، يفتخر منهم كاسب الدينار بكدِّه وجدّه، على مالك المليار إرثًا عن أبيه وجدِّه. نعم؛ يعيش العامل ناعم البال يسرُّه النجاح ولا تقبضه الخيبة، إنّما ينتقل من عملٍ إلى غيره، ومن فكرٍ إلى آخر، فيكون متلذذًا بآماله إنْ لم يسارعه السّعد في أعماله، وكيفما كان يبلغ العذر عن نفسه والناس بمجرد إيفائه وظيفة الحياة؛ أي العمل. ويكون فرحًا فخورًا نجح أو لم ينجح، لأنَّه بريء من عار العجز والبطالة.
أما أسير الاستبداد، فيعيش خاملًا خامدًا ضائع القصد، حائرًا لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه، كأنَّه حريصٌ على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب. ويخطئ، والله من يظنُّ أنَّ أكثر الأسراء لا سيما منهم الفقراء لا يشعرون بآلام الأسر. مستدلًا بأنهم لو كانوا يشعرون لبادروا إلى إزالته، والحقيقة في ذلك أنهم يشعرون بأكثر الآلام ولكنهم