مثل هذا حدث منذ الأزل، ومثله سوف يحدث إلى الأبد. لماذا تقول إذن إن كل شيء كان وسيظل دائما شرا، وما كان لكل تلك الآلهة قدرة على إصلاحه، وإن العالم مقدر عليه أن يكون في شقاء أبدي؟!
21 (9-36) تعفن المادة الأصلية لكل شيء؛ الماء، التراب، العظام، القذر. مرة أخرى؛ الرخام مجرد راسب في الأرض، الذهب والفضة مجرد رواسب، رداؤك شعر حيوان، أرجوانك دم محارة، وهلم جرا.
22
والروح الحية هي أيضا من نفس الصنف، تتغير من هذا إلى ذاك. (9-37) كفاك من هذه الطريقة البائسة في الحياة، من هذا التذمر والتصنع. ماذا يشقيك؟ ما الجديد في هذا؟ ماذا يقض مضجعك؟ صورة الشيء؟ إذن واجهها. أم تراها المادة؟ إذن واجهها، ولا شيء هناك عدا هذين. توجه إلى الآلهة إذن، وإن تكن قد تأخرت، وكن أكثر بساطة وخيرا. سيان أن نبحث هذه الأشياء مائة عام، أو نبحثها ثلاثة أعوام. (9-38) إذا كان هذا قد أخطأ، فالضرر يقع عليه، ولكن يجوز أنه لم يخطئ. (9-39) إما أن جميع الأشياء تفيض من مصدر عاقل وتعرض كأنها في جسد واحد، فلا ينبغي للجزء أن يبتئس لما يحدث لمنفعة الكل. وإما أن الكل ذرات وأن الأمر لا يعدو أن يكون خلطا ثم تبديدا، ما الذي يشقيك إذن؟ قل لعقلك الموجه: «أأنت ميت، متحلل، هل تحولت إلى حيوان، هل تتظاهر وترائي، هل تنضوي مع القطيع وتشاركه طعامه؟»
23 (9-40) إما أن الآلهة قادرة أو غير قادرة. فإذا لم تكن قادرة فلماذا أدعوها؟ وإذا كانت قادرة فلماذا لا أدعوها لكي تهبني نعمة ألا أخاف من أي شيء مما أخاف منه، وألا أرغب في الأشياء التي أرغبها، وألا أتألم من أي شيء؛ لا أن تجعل أي شيء من هذه الأشياء يحدث أو لا يحدث؛ فمن المؤكد أنها إذا كانت تعين البشر فإن بوسعها أن تعينهم على هذه الغايات.
ولكن لعلك قائل: «لقد جعلت الآلهة هذه الأشياء في قدرتي.» حسن، أليس أليق بك إذن أن تستعمل ما في قدرتك كرجل حر من أن ترغب على نحو عبودي دنيء ما ليس في قدرتك؟ ومن قال لك إن الآلهة لا تعيننا حتى في الأشياء التي في قدرتنا؟ ابدأ الآن على كل حال وادع هذه الدعوات وسوف ترى. من الناس من يدعو: «كيف السبيل إلى أن أضاجع هذه المرأة؟» فادع أنت: «كيف السبيل إلى أن أفقد الرغبة في أن أضاجعها؟» وآخر يدعو: «كيف أنقذ طفلي الصغير؟» وأنت: «كيف أتعلم ألا أخاف من فقده؟» وهكذا. حسن، جرب أن تحول دعواتك على هذا النحو وانظر ماذا يكون. (9-41) يقول أبيقور: «أثناء مرضي لم يكن حديثي يدور حول آلام جسمي، ولم أكن أخوض مع عوادي في هذا المزاج، بل أمضي في شرح المبادئ الرئيسية للفلسفة الطبيعية مع إشارة خاصة إلى هذه النقطة عينها؛ كيف يشارك العقل في مثل هذه الاضطرابات الجسدية بينما يظل محتفظا بهدوئه وساعيا إلى خيره.» ويستطرد أبيقور قائلا: «ولا كنت أترك لأطبائي فرصة لكي تعلوهم سيماء الوجاهة والجلال لأي إنجاز عظيم، غير أن حياتي مضت سليمة ومعافاة.» هذا مثال لك إذن في المرض، إذا كنت مريضا، وفي أي ظرف آخر. تتفق جميع المدارس على أنك ينبغي ألا تهجر الفلسفة تحت أي ظرف من الظروف، وألا تشارك الجهال والعوام لغوهم الفارغ، بل انصرف إلى عملك الذي أنت فيه، وإلى السبل التي تتخذها في إنجازه.
24 (9-42) كلما أساء إليك شخص وقح فإن عليك أن تبادر إلى سؤال نفسك: «إذن أكان من الممكن ألا يكون في العالم وقحون؟» غير ممكن. فلا تطلب غير الممكن؛ فهذا الشخص مجرد واحد من الوقحين الذين لا بد من وجودهم في العالم. والأمر نفسه ينسحب على الأوغاد، والخونة، وكل صنف من الآثمين. وإدراك أن هذه الطائفة من الناس لا بد من وجودها حري أن يجعلك أكثر رفقا بكل فرد منهم.
ومن المفيد عمليا أيضا أن تعي هذا كلما صادفته؛ وهو تلك الفضيلة التي وهبتنا إياها الطبيعة لكي نقابل بها كل فعل خبيث. وهبتنا الرفق ليكون ترياقا للقسوة، وخصالا أخرى نواجه بها إساءات أخرى. وبصفة عامة، بوسعك دائما أن تعيد تعليم من ضل طريقه، وكل من يفعل الشر فقد أخطأ هدفه الحقيقي وضل طريقه.
وأي أذى، بعد، قد لحق بك؟ فلسوف تجد أن لا أحد ممن أثار غضبك قد فعل أي شيء يمكن أن ينال عقلك بأي سوء؛ إنما العقل، والعقل وحده، هو محل الأذى أو الضرر الذي يمكن أن ينالك؛ فليس للأذى والضرر أي وجود آخر.
أين هو الأذى، بعد، وما هو الغريب في أن يسلك الجاهل مسلك الجهال؟ تأمل ذلك وانظر: ألا ترى أنك أحق باللوم لأنك لم تتوقع من هذا الرجل أن يفعل هذا الخطأ؟ فلقد كان لديك من العقل ما تبصر به أن هذا الخطأ حقيق أن يأتي من هذا الرجل، ولكنك نسيت وجعلت تعجب من أنه أخطأ.
ناپیژندل شوی مخ