لا مجد لك بمعزل عن مجد قومك. ما لا يفيد السرب لا يفيد النحلة. لا مجد لنحلة في خلية منهارة.
الزهو بالخلو من الزهو هو أثقل ضروب الزهو وأصعبها على الاحتمال. أثقل الغرور التواضع الزائف.
خذ نظرة من فوق لترى الأشياء بحجمها الحقيقي كما تتراءى في أعين الأفلاك.
هذا غيض من فيض «التأملات» التي دونها ماركوس أوريليوس في أضابير كتب عليها «إلى نفسه»، ولدينا ما يدل بقوة على أنه لم يقصد بها أن تكون كتابا يقرأ أو مذهبا فلسفيا يشيد ويذاع على الناس؛ فهي في أغلب الأحيان شخصية للغاية وموجهة إلى الداخل، وهي كثيرة التكرار، ولا ينتظمها نسق معين، وهي في بعض الأحيان اقتباسات مشفوعة باسم صاحبها، وفي أحيان أخرى اقتباسات غير مشفوعة باسم، وهي غامضة مبهمة في غير موضع لا نعرف فيها ماذا يقصد ومن يعني وإلام يشير، مما يدل على أنه يكتب حقا لنفسه، ولا يملي على سكرتيره اليوناني أبولونيوس. •••
مؤتنسا بخلوته، وبعقله الثري ونفسه الرحبة، راح ماركوس أوريليوس يخط على صحائفه: «قل لنفسك حين تقوم ... تمادي في إيذاء ذاتك أيتها النفس ... إنهم يطلبون منتجعات لهم ... كن مثل رأس الأرض في البحر ... تأمل مليا كيف يزاح كل ما هو قائم ... لكأنما ألقي على الأشياء حجاب كثيف ... طريق الطبيعة قصير، نقب في ذاتك ... الأشياء واقفة خارجنا ... أتقن الموت ...»
لم يكن هناك من أحد يشوب خلوة ماركوس، غير «كائن اعتباري» مهيب كأني به قد أقحم نفسه على هذه الوحدة الجلل: إنه «التاريخ» بلحيته الشهباء وقوامه السامق النحيل. إنه «الزمان»، «غزل القدر»، يشهد ميلاد الأحرف ويرمقها من وراء كتفه، فيكتم غبطته ويسر إلى نفسه:
هذا كلام أكبر من زمنه، ونغم أفسح من عوده. ليست «إلى نفسه» هذه الصحائف بل «إلى الأجيال» جميعا. سأدبر لها سببا وأحفظها من عوادي الضياع؛ لتكون لمن خلفه مثلما كانت له.
عادل مصطفى محمد
الكويت في 1 / 12 / 2008م
التأملات: ماركوس أوريليوس النص الكامل
ناپیژندل شوی مخ